وقوله : { ونزعنا ما في صدورهم من غل }[ 43 ] ، الآية .
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الغل على أبواب الجنة كمبارك الإبل ، قد نزعه الله عز وجل ، من قلوب المؤمنين " {[23653]} .
والمعنى : وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين تقدمت صفتهم ، ما في صدورهم من حقد وعداوة ، كانت من بعضهم لبعض في الدنيا ، وأُدخلوا الجنة { إخوانا على سرر متقابلين } {[23654]} ، لا يحسد بعضهم بعضا على شيء {[23655]} .
قال قتادة : قال علي {[23656]} : إني لأرجو {[23657]} أن أكون أنا وعثمان وطلحة بن الزبير ، من الذين قال الله [ فيهم ] {[23658]} { ونزعنا ما في صدورهم من غل {[23659]} } .
قال السدي : إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة فبلغوا ، وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان ، فيشربون من إحداهما ، فينزع ما في صدورهم من غل ، فهو " الشراب الطهور " الذي ذكره الله في قوله : { وسقاهم ربهم شرابا طهورا } {[23660]} ، واغتسلوا من الأخرى ، فجرت عليهم نضرة {[23661]} النعيم فلم يشعثوا {[23662]} ولم يشحبوا بعدها أبدا {[23663]} .
قوله : { وقالوا الحمد لله }[ 43 ] .
أي : قالوا ذلك حين رأوا ما أكرمهم الله به من جنته ، وما صرف عنهم من نقمته {[23664]} .
روى [ أبو سعيد {[23665]} ] الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كل أهل النار يرى منزله {[23666]} من الجنة ، فيقول : " لو هدانا الله " فيكون عليهم حسرة . وكل أهل الجنة يرى منزله من النار ، فيقولون : " لولا {[23667]} أن هدانا الله " ! [ فهذا ] {[23668]} شكرهم {[23669]} .
وقوله : { ونودوا أن تلكم الجنة } {[23670]}[ 43 ] ، ( الآية ) {[23671]} .
اعترض بعض {[23672]} الملحدين {[23673]} بهذه الآية على حديث النبي عليه السلام {[23674]} ، في قوله : " لا يدخل الجنة أحد بعمله {[23675]} ، وإنما يدخلها برحمة الله " {[23676]} . هذا {[23677]} غلط منهم ؛ لأن رحمة الله لا تدرك إلا بالعمل الصالح . وإذا كانت الرحمة لا تدرك إلا بالعمل الصالح فالعمل {[23678]} الصالح الذي يدرك الرحمة يدخل {[23679]} الجنة .
ويجوز أن يكون معنى : { أورثتموها {[23680]} بما كنتم تعملون }[ 43 ] ، يعني : المنازل في الجنة ، فيكون الدخول برحمة الله {[23681]} ، كما قال النبي عليه السلام ، : " والمنازل بالأعمال " {[23682]} فيصح الحديث ، والآية على ظاهرها .
وقوله : { أورثتموها } ، وقوله : { ونودوا } ، فعلان منتظران ، ولفظهما لفظ ما قد مضى ، وذلك حسن في أخبار الله ؛ لأنها كالكائنة لصدق المخبر بها ، ونفوذ القضاء ، والحتم {[23683]} ( بها ) من الله {[23684]} .
قال السدي : ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل ، فإذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار[ ودخلوا منازلهم ] {[23685]} ، رفعت الجنة لأهل النار ، فنظروا إلى منازلهم منها ، فقيل لهم : " هذه منازلكم لو عملتم {[23686]} بطاعة الله " .
ثم يقال : يا {[23687]} أهل الجنة { أورثتموها {[23688]} بما كنتم تعملون } ، يعني منازل أهل النار ورثوها بعملهم {[23689]} فيقتسمونها {[23690]} .
وعن أبي سعيد الخدري قال : ينادي مناد {[23691]} : إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا {[23692]} أبدا ، وأن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا {[23693]} أبدا {[23694]} وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا ، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا {[23695]} .
وقيل : معنى { [ {[23696]}و ] نودوا } : قيل لهم : وذلك حين رأوها {[23697]} قبل أن يدخلوها ، قيل لهم : { تلكم الجنة } {[23698]} .
/وقال علي ، رضي الله عنه ، : يدخلون الجنة فإذا شجرة يخرج من تحت ساقها عينان ، فيغتسلون من إحداهما ، فتجري {[23699]} عليهم نظرة النعيم ، فلا تشعث أشعارهم ، ولا تغبر {[23700]} أبشارهم ، ويشربون من الأخرى ، فيخرج كل أذى {[23701]} وقذر وبأس {[23702]} في بطونهم ، ثم يفتح لهم باب الجنة ، فيقال {[23703]} لهم : { سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين {[23704]} } . قال : فيستقبلنهم الولدان ، فيحفون بهم كما يحف الولدان بالحميم إذا جاء من غيبته . ثم يأتون فيبشرون أزواجهم فيسمونهم {[23705]} بأسمائهم وأسماء آبائهم . فيقلن : أنت رأيته ! قال : ويستخفهن الفرح ، [ قال {[23706]} : ] فيجئن {[23707]} حتى يقفن على أُسْكُفَّةِ {[23708]} الباب . [ قال ] {[23709]} فيجيئون {[23710]} فيدخلون ، فإذا أسُّ بيوتهم جندل اللؤلؤ ، إذا سرج صفر {[23711]} خضر {[23712]} وحمر من كل لون ، وسرر مرفوعة ، وأكواب موضوعة ، ونمارق مصفوفة ، وزرابي مبثوثة ، فلولا أن الله قدرها لهم لالتُمعت {[23713]} أبصارهم مما يرون فيها . فيعانقون الأزواج ، ويصعدون على السرر ، ويقولون : { الحمد لله الذي هدانا لهذا {[23714]} } ، أي : هدانا للإيمان {[23715]} ، { وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله } ، أي : الحمد لله الذي هدانا ، إلى هذا وهو الإسلام {[23716]} .
وقيل المعنى : الحمد لله الذي هدانا إلى الجنة {[23717]} .
{ لقد جاءت {[23718]} رسل ربنا بالحق }[ 43 ] .
أي : جاءتنا في الدنيا بالحق عن الله {[23719]} .
[23654]:الحجر: 47. ومستهل الآية: {ونزعنا ما في صدورهم من غل...}.
[23655]:انظر جامع البيان 12/437،438، فالفقرة مستخلصة منه.
[23656]:في ج، بعد علي، كلمات لم أستطع قراءتها بفعل الرطوبة، لعلها: عليهم السلام.
[23657]:في الأصل: "وإني لا أرجوا، وهو تحريف ناسخ".
[23658]:زيادة من جامع البيان 12/438، يقتضيها السياق.
[23659]:تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/229، وجامع البيان 12/438، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1478، من غير ذكر عثمان، وتفسير ابن كثير 2/215. وانظر: تفسير الماوردي 2/224، وزاد المسير 3/199.
[23660]:الإنسان: 21. والآية بتمامها: {عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة...}.
ومن: الذي ذكره الله في قوله:....، إلى نهاية الآية ليس من مصادر التوثيق أسفله، هامش8.
[23661]:في الأصل: بنضرة النعيم، وأثبت ما في ج.
[23662]:في الأصل: فلم يشعتف، وهو تحريف ناسخ، والتصويب من ج، ومصادر التوثيق أسفله.
[23663]:جامع البيان 12/439، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1479، وتفسير ابن كثير 2/215، والدر المنثور 3/457.
[23664]:هنا إيجاز يوضح بما في جامع البيان 12/439، 440، الذي ينقل عنه مكي، رحمه الله.
[23666]:في الأصل: منزلته، وأثبت ما في ج، ومصادر التوثيق أسفله، هامش 6.
[23667]:في الأصل: لولا أن الله هدانا، وأثبت ما في ج، ومصادر التوثيق أسفله هامش 6.
[23668]:زيادة من ج، ومصادر التوثيق أسفله.
[23669]:جامع البيان 12/440، والدر المنثور 3/458، عن أبي هريرة.
قال الشيخ محمود شاكر في هامش تحقيقه لجامع البيان 12/440، معلقا على هذا الحديث: "....، لم أجد الخبر في حديث أبي سعيد،...[وهو] معروف في حديث أبي هريرة، وبذلك خرجه السيوطي في الدر المنثور، وابن كثير في تفسيره وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد....، فقال: "عن أبي هريرة...وساق الخبر بنحوه من طريقتين، ثم قال: "رواه كله أحمد، ورجال الرواية الأولى رجال الصحيح...، فهذا كله يوشك أن يقطع بأن...قوله: "عن أبي سعيد" خطأ، صوابه: "عن أبي هريرة". وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم: 4514، مذيلا بمصادره: مسند أحمد، والمستدرك للحاكم عن أبي هريرة. وهذا يقوي ما ذهب إليه الشيخ شاكر.
[23670]:في ج: زيادة {أورثتموها بما كنتم تعملون}.
[23673]:قوله: "اعترض بعض الملحدين"، إشارة منه، رحمه الله، إلى المعتزلة الذين يرون أن "الجزاء غير مرتب على الأعمال" بدليل الحديث الذي أورده.
قال الزمخشري، الكشاف 2/101، في تفسير قوله تعالى: {أورثتموها بما كنتم تعملون}، بسبب أعمالكم لا بالتفضل، كما تقول المبطلة [يقصد أهل السنة]". انظر: حاشية ابن المنير على الكشاف 2/101،102، وتفسير الرازي 7/87، وتفسير النسفي 2/54، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز 2/641، وتفسير الخازن 2/89، وتفسير الألوسي 8/122.
[23675]:في الأصل: بعلمه، وهو تحريف.
[23676]:رواه البخاري ومسلم. انظر: تخريجه في شرح العقيدة الطحاوية 2/641.
[23677]:لعله في ج: وهو، فلم أستطع قراءته بفعل الرطوبة.
[23678]:في الأصل: فبالعمل، وفي ج، أفسدته الرطوبة، وأثبت ما اعتقدت صحته.
[23680]:في الأصل: أورثتموها، هو سهو ناسخ.
[23681]:انظر: تفسير القرطبي 7/134، وتفسير ابن كثير 2/215.
[23682]:لعله يشير إلى ما رواه أبو هريرة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أحد إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار، فأما الكافر فإنه يرث المؤمن منزله من النار، والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنة". انظر: زاد المسير 3/202، وتفسير الألوسي 8/122.
[23683]:كذا الأصل، وفي ج، عسيرة القراءة بفعل الرطوبة، ولعلها: "والحكم". وما بين الهلالين ساقط من ج.
[23684]:انظر: المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى للحدادي 233، باب: ما يذكر بلفظ الماضي ومعناه: المستقبل.
[23685]:زيادة من مصادر التوثيق، ص113، هامش 4.
[23686]:في الأصل: لو علمتم، وهو تحريف.
[23688]:في الأصل: أو ورثتموها، وهو سهو ناسخ.
[23689]:في الأصل: بعلمهم، وهو تحريف.
[23690]:جامع البيان 12/443، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1481، والدر المنثور 3/458، وتفسير الألوسي 8/122.
[23691]:في الأصل: منادي، وهو خطأ ناسخ.
[23692]:في الأصل، وج: "تموتون" و"تهرمون" و"تسقمون".
[23693]:في الأصل: فلا تدسر، حسب اجتهادي في قراءتها، ولا معنى لها.
[23695]:تمامه في تفسير البغوي 3/230، وتفسير الخازن 2/89، والدر المنثور 3/458: فذلك قوله: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون}، وهو حديث صحيح أخرجه مسلم في صحيحه –حديث 2837.
[23696]:زيادة لازمة، حسب نص التلاوة.
[23697]:في الأصل: خير رءوها، وهو تحريف ناسخ.
[23698]:انظر: معاني القرآن للزجاج 2/340، وتفسير القرطبي 7/134.
[23699]:في الأصل: فتخرج، وهو تحريف.
[23700]:في الأصل: ولا تتغير، وهو تحريف.
[23702]:في الأصل: إلى: أو شيء، وهو تحريف، والتصويب من مصادر التوثيق ص: 115، هامش 2.
[23703]:في الأصل: ويقول له، وأثبت ما في ج.
[23705]:في الأصل: فيسمون، وأثبت ما في ج، ومصادر التوثيق ص: 115، هامش 2.
[23707]:في الأصل: فيجيء، وهو تحريف.
[23708]:في الأصل تحرفت أسكفة إلى أسئلة، والتصويب من ج ومصادر التوثيق ص:15، هامش 2. وأسكفة الباب: عتبته...المختار/سكف.
[23710]:في الأصل: تحرفت: فيجيئون إلى فيجيون.
[23711]:في الأصل: تحرفت: صفر إلى: مفر. وفي ج تصحفت إلى: ظفر.
[23712]:في الأصل: وخضرا، وهو خطأ ناسخ.
[23713]:التمع الشيء: اختلسه وذهب به. والتُمع بصره، بالبناء بالمجهول: اختلس واختطف فلا يكاد يبصر. هامش تحقيق الشيخ لجامع البيان 12/441.
[23714]:إلى هنا ينتهي الأثر المروي عن علي رضي الله عنه، وقد ورد باختلاف في ألفاظه في جامع البيان 12/440/441، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1480، وزاد المسير 3/201.
[23715]:تفسير هود بن محكم الهواري 2/19. وانظر: المحرر الوجيز 2/402، والبحر المحيط 4/300.
[23716]:انظر: المحرر الوجيز 2/402، والبحر المحيط 4/300.
[23717]:انظر: تفسير الماوردي 2/225، والمحرر الوجيز 2/402، والبحر المحيط 4/300.