الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلّٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِيَ لَوۡلَآ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ لَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّۖ وَنُودُوٓاْ أَن تِلۡكُمُ ٱلۡجَنَّةُ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (43)

وقوله : { ونزعنا ما في صدورهم من غل }[ 43 ] ، الآية .

روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الغل على أبواب الجنة كمبارك الإبل ، قد نزعه الله عز وجل ، من قلوب المؤمنين " {[23653]} .

والمعنى : وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين تقدمت صفتهم ، ما في صدورهم من حقد وعداوة ، كانت من بعضهم لبعض في الدنيا ، وأُدخلوا الجنة { إخوانا على سرر متقابلين } {[23654]} ، لا يحسد بعضهم بعضا على شيء {[23655]} .

قال قتادة : قال علي {[23656]} : إني لأرجو {[23657]} أن أكون أنا وعثمان وطلحة بن الزبير ، من الذين قال الله [ فيهم ] {[23658]} { ونزعنا ما في صدورهم من غل {[23659]} } .

قال السدي : إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة فبلغوا ، وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان ، فيشربون من إحداهما ، فينزع ما في صدورهم من غل ، فهو " الشراب الطهور " الذي ذكره الله في قوله : { وسقاهم ربهم شرابا طهورا } {[23660]} ، واغتسلوا من الأخرى ، فجرت عليهم نضرة {[23661]} النعيم فلم يشعثوا {[23662]} ولم يشحبوا بعدها أبدا {[23663]} .

قوله : { وقالوا الحمد لله }[ 43 ] .

أي : قالوا ذلك حين رأوا ما أكرمهم الله به من جنته ، وما صرف عنهم من نقمته {[23664]} .

روى [ أبو سعيد {[23665]} ] الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كل أهل النار يرى منزله {[23666]} من الجنة ، فيقول : " لو هدانا الله " فيكون عليهم حسرة . وكل أهل الجنة يرى منزله من النار ، فيقولون : " لولا {[23667]} أن هدانا الله " ! [ فهذا ] {[23668]} شكرهم {[23669]} .

وقوله : { ونودوا أن تلكم الجنة } {[23670]}[ 43 ] ، ( الآية ) {[23671]} .

اعترض بعض {[23672]} الملحدين {[23673]} بهذه الآية على حديث النبي عليه السلام {[23674]} ، في قوله : " لا يدخل الجنة أحد بعمله {[23675]} ، وإنما يدخلها برحمة الله " {[23676]} . هذا {[23677]} غلط منهم ؛ لأن رحمة الله لا تدرك إلا بالعمل الصالح . وإذا كانت الرحمة لا تدرك إلا بالعمل الصالح فالعمل {[23678]} الصالح الذي يدرك الرحمة يدخل {[23679]} الجنة .

ويجوز أن يكون معنى : { أورثتموها {[23680]} بما كنتم تعملون }[ 43 ] ، يعني : المنازل في الجنة ، فيكون الدخول برحمة الله {[23681]} ، كما قال النبي عليه السلام ، : " والمنازل بالأعمال " {[23682]} فيصح الحديث ، والآية على ظاهرها .

وقوله : { أورثتموها } ، وقوله : { ونودوا } ، فعلان منتظران ، ولفظهما لفظ ما قد مضى ، وذلك حسن في أخبار الله ؛ لأنها كالكائنة لصدق المخبر بها ، ونفوذ القضاء ، والحتم {[23683]} ( بها ) من الله {[23684]} .

قال السدي : ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل ، فإذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار[ ودخلوا منازلهم ] {[23685]} ، رفعت الجنة لأهل النار ، فنظروا إلى منازلهم منها ، فقيل لهم : " هذه منازلكم لو عملتم {[23686]} بطاعة الله " .

ثم يقال : يا {[23687]} أهل الجنة { أورثتموها {[23688]} بما كنتم تعملون } ، يعني منازل أهل النار ورثوها بعملهم {[23689]} فيقتسمونها {[23690]} .

وعن أبي سعيد الخدري قال : ينادي مناد {[23691]} : إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا {[23692]} أبدا ، وأن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا {[23693]} أبدا {[23694]} وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا ، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا {[23695]} .

وقيل : معنى { [ {[23696]}و ] نودوا } : قيل لهم : وذلك حين رأوها {[23697]} قبل أن يدخلوها ، قيل لهم : { تلكم الجنة } {[23698]} .

/وقال علي ، رضي الله عنه ، : يدخلون الجنة فإذا شجرة يخرج من تحت ساقها عينان ، فيغتسلون من إحداهما ، فتجري {[23699]} عليهم نظرة النعيم ، فلا تشعث أشعارهم ، ولا تغبر {[23700]} أبشارهم ، ويشربون من الأخرى ، فيخرج كل أذى {[23701]} وقذر وبأس {[23702]} في بطونهم ، ثم يفتح لهم باب الجنة ، فيقال {[23703]} لهم : { سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين {[23704]} } . قال : فيستقبلنهم الولدان ، فيحفون بهم كما يحف الولدان بالحميم إذا جاء من غيبته . ثم يأتون فيبشرون أزواجهم فيسمونهم {[23705]} بأسمائهم وأسماء آبائهم . فيقلن : أنت رأيته ! قال : ويستخفهن الفرح ، [ قال {[23706]} : ] فيجئن {[23707]} حتى يقفن على أُسْكُفَّةِ {[23708]} الباب . [ قال ] {[23709]} فيجيئون {[23710]} فيدخلون ، فإذا أسُّ بيوتهم جندل اللؤلؤ ، إذا سرج صفر {[23711]} خضر {[23712]} وحمر من كل لون ، وسرر مرفوعة ، وأكواب موضوعة ، ونمارق مصفوفة ، وزرابي مبثوثة ، فلولا أن الله قدرها لهم لالتُمعت {[23713]} أبصارهم مما يرون فيها . فيعانقون الأزواج ، ويصعدون على السرر ، ويقولون : { الحمد لله الذي هدانا لهذا {[23714]} } ، أي : هدانا للإيمان {[23715]} ، { وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله } ، أي : الحمد لله الذي هدانا ، إلى هذا وهو الإسلام {[23716]} .

وقيل المعنى : الحمد لله الذي هدانا إلى الجنة {[23717]} .

{ لقد جاءت {[23718]} رسل ربنا بالحق }[ 43 ] .

أي : جاءتنا في الدنيا بالحق عن الله {[23719]} .


[23653]:لم أجده فيما لدي من مصادر.
[23654]:الحجر: 47. ومستهل الآية: {ونزعنا ما في صدورهم من غل...}.
[23655]:انظر جامع البيان 12/437،438، فالفقرة مستخلصة منه.
[23656]:في ج، بعد علي، كلمات لم أستطع قراءتها بفعل الرطوبة، لعلها: عليهم السلام.
[23657]:في الأصل: "وإني لا أرجوا، وهو تحريف ناسخ".
[23658]:زيادة من جامع البيان 12/438، يقتضيها السياق.
[23659]:تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/229، وجامع البيان 12/438، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1478، من غير ذكر عثمان، وتفسير ابن كثير 2/215. وانظر: تفسير الماوردي 2/224، وزاد المسير 3/199.
[23660]:الإنسان: 21. والآية بتمامها: {عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة...}. ومن: الذي ذكره الله في قوله:....، إلى نهاية الآية ليس من مصادر التوثيق أسفله، هامش8.
[23661]:في الأصل: بنضرة النعيم، وأثبت ما في ج.
[23662]:في الأصل: فلم يشعتف، وهو تحريف ناسخ، والتصويب من ج، ومصادر التوثيق أسفله.
[23663]:جامع البيان 12/439، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1479، وتفسير ابن كثير 2/215، والدر المنثور 3/457.
[23664]:هنا إيجاز يوضح بما في جامع البيان 12/439، 440، الذي ينقل عنه مكي، رحمه الله.
[23665]:زيادة يقتضيها السياق.
[23666]:في الأصل: منزلته، وأثبت ما في ج، ومصادر التوثيق أسفله، هامش 6.
[23667]:في الأصل: لولا أن الله هدانا، وأثبت ما في ج، ومصادر التوثيق أسفله هامش 6.
[23668]:زيادة من ج، ومصادر التوثيق أسفله.
[23669]:جامع البيان 12/440، والدر المنثور 3/458، عن أبي هريرة. قال الشيخ محمود شاكر في هامش تحقيقه لجامع البيان 12/440، معلقا على هذا الحديث: "....، لم أجد الخبر في حديث أبي سعيد،...[وهو] معروف في حديث أبي هريرة، وبذلك خرجه السيوطي في الدر المنثور، وابن كثير في تفسيره وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد....، فقال: "عن أبي هريرة...وساق الخبر بنحوه من طريقتين، ثم قال: "رواه كله أحمد، ورجال الرواية الأولى رجال الصحيح...، فهذا كله يوشك أن يقطع بأن...قوله: "عن أبي سعيد" خطأ، صوابه: "عن أبي هريرة". وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم: 4514، مذيلا بمصادره: مسند أحمد، والمستدرك للحاكم عن أبي هريرة. وهذا يقوي ما ذهب إليه الشيخ شاكر.
[23670]:في ج: زيادة {أورثتموها بما كنتم تعملون}.
[23671]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23672]:في الأصل: بعده، وهو تحريف.
[23673]:قوله: "اعترض بعض الملحدين"، إشارة منه، رحمه الله، إلى المعتزلة الذين يرون أن "الجزاء غير مرتب على الأعمال" بدليل الحديث الذي أورده. قال الزمخشري، الكشاف 2/101، في تفسير قوله تعالى: {أورثتموها بما كنتم تعملون}، بسبب أعمالكم لا بالتفضل، كما تقول المبطلة [يقصد أهل السنة]". انظر: حاشية ابن المنير على الكشاف 2/101،102، وتفسير الرازي 7/87، وتفسير النسفي 2/54، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز 2/641، وتفسير الخازن 2/89، وتفسير الألوسي 8/122.
[23674]:في ج: صلى الله عليه وسلم.
[23675]:في الأصل: بعلمه، وهو تحريف.
[23676]:رواه البخاري ومسلم. انظر: تخريجه في شرح العقيدة الطحاوية 2/641.
[23677]:لعله في ج: وهو، فلم أستطع قراءته بفعل الرطوبة.
[23678]:في الأصل: فبالعمل، وفي ج، أفسدته الرطوبة، وأثبت ما اعتقدت صحته.
[23679]:في الأصل: تدخل.
[23680]:في الأصل: أورثتموها، هو سهو ناسخ.
[23681]:انظر: تفسير القرطبي 7/134، وتفسير ابن كثير 2/215.
[23682]:لعله يشير إلى ما رواه أبو هريرة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أحد إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار، فأما الكافر فإنه يرث المؤمن منزله من النار، والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنة". انظر: زاد المسير 3/202، وتفسير الألوسي 8/122.
[23683]:كذا الأصل، وفي ج، عسيرة القراءة بفعل الرطوبة، ولعلها: "والحكم". وما بين الهلالين ساقط من ج.
[23684]:انظر: المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى للحدادي 233، باب: ما يذكر بلفظ الماضي ومعناه: المستقبل.
[23685]:زيادة من مصادر التوثيق، ص113، هامش 4.
[23686]:في الأصل: لو علمتم، وهو تحريف.
[23687]:في ج: ويقال لأهل الجنة.
[23688]:في الأصل: أو ورثتموها، وهو سهو ناسخ.
[23689]:في الأصل: بعلمهم، وهو تحريف.
[23690]:جامع البيان 12/443، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1481، والدر المنثور 3/458، وتفسير الألوسي 8/122.
[23691]:في الأصل: منادي، وهو خطأ ناسخ.
[23692]:في الأصل، وج: "تموتون" و"تهرمون" و"تسقمون".
[23693]:في الأصل: فلا تدسر، حسب اجتهادي في قراءتها، ولا معنى لها.
[23694]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23695]:تمامه في تفسير البغوي 3/230، وتفسير الخازن 2/89، والدر المنثور 3/458: فذلك قوله: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون}، وهو حديث صحيح أخرجه مسلم في صحيحه –حديث 2837.
[23696]:زيادة لازمة، حسب نص التلاوة.
[23697]:في الأصل: خير رءوها، وهو تحريف ناسخ.
[23698]:انظر: معاني القرآن للزجاج 2/340، وتفسير القرطبي 7/134.
[23699]:في الأصل: فتخرج، وهو تحريف.
[23700]:في الأصل: ولا تتغير، وهو تحريف.
[23701]:في الأصل: إذا، هو تحريف.
[23702]:في الأصل: إلى: أو شيء، وهو تحريف، والتصويب من مصادر التوثيق ص: 115، هامش 2.
[23703]:في الأصل: ويقول له، وأثبت ما في ج.
[23704]:الزمر: 70.
[23705]:في الأصل: فيسمون، وأثبت ما في ج، ومصادر التوثيق ص: 115، هامش 2.
[23706]:زيادة من ج.
[23707]:في الأصل: فيجيء، وهو تحريف.
[23708]:في الأصل تحرفت أسكفة إلى أسئلة، والتصويب من ج ومصادر التوثيق ص:15، هامش 2. وأسكفة الباب: عتبته...المختار/سكف.
[23709]:زيادة من ج.
[23710]:في الأصل: تحرفت: فيجيئون إلى فيجيون.
[23711]:في الأصل: تحرفت: صفر إلى: مفر. وفي ج تصحفت إلى: ظفر.
[23712]:في الأصل: وخضرا، وهو خطأ ناسخ.
[23713]:التمع الشيء: اختلسه وذهب به. والتُمع بصره، بالبناء بالمجهول: اختلس واختطف فلا يكاد يبصر. هامش تحقيق الشيخ لجامع البيان 12/441.
[23714]:إلى هنا ينتهي الأثر المروي عن علي رضي الله عنه، وقد ورد باختلاف في ألفاظه في جامع البيان 12/440/441، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1480، وزاد المسير 3/201.
[23715]:تفسير هود بن محكم الهواري 2/19. وانظر: المحرر الوجيز 2/402، والبحر المحيط 4/300.
[23716]:انظر: المحرر الوجيز 2/402، والبحر المحيط 4/300.
[23717]:انظر: تفسير الماوردي 2/225، والمحرر الوجيز 2/402، والبحر المحيط 4/300.
[23718]:في الأصل: جاء، وهو تحريف.
[23719]:انظر: جامع البيان 12/442.