فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلّٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِيَ لَوۡلَآ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ لَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّۖ وَنُودُوٓاْ أَن تِلۡكُمُ ٱلۡجَنَّةُ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (43)

قوله : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ غِلّ } هذا من جملة ما ينعم الله به على أهل الجنة ، أن ينزع الله ما في قلوبهم من الغلّ على بعضهم بعضاً ، حتى تصفو قلوبهم ويودّ بعضهم بعضاً ، فإن الغلّ لو بقي في صدورهم كما كان في الدنيا ، لكان في ذلك تنغيص لنعيم الجنة ، لأن المتشاحنين لا يطيب لأحدهم عيش مع وجود الآخر . والغلّ : الحقد الكامن في الصدور . وقيل : نزع الغلّ في الجنة ، أن لا يحسد بعضهم بعضاً في تفاضل المنازل { وَقَالُواْ الحمد لِلَّهِ الذي هَدَانَا لهذا } أي لهذا الجزاء العظيم ، وهو الخلود في الجنة ، ونزع الغلّ من صدورهم ، والهداية هذه لهذا هي الهداية لسببه من الإيمان والعمل الصالح في الدنيا { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِي } قرأ ابن عامر بإسقاط الواو ، وقرأ الباقون بإثباتها ، وما كنا نطيق أن نهتدي بهذا الأمر لولا هداية الله لنا ، والجملة مستأنفة أو حالية ، وجواب لولا محذوف يدل عليه ما قبله ، أي لولا هداية الله لنا ما كنا لنهتدي .

قوله : { لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بالحق } اللام لام القسم ، قالوا : هذا لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من الجزاء العظيم ، اغتباطاً بما صاروا فيه بسبب ما تقدّم منهم من تصديق الرسل وظهور صدق ما أخبروهم به في الدنيا من أن جزاء الإيمان والعمل الصالح هو هذا الذي صاروا فيه .

قوله : { وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي وقع النداء لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فقيل لهم : تلكم الجنة أورثتموها ، أي ورثتم منازلها بعملكم . قال في الكشاف : بسبب أعمالكم لا بالتفضل كما تقوله المبطلة انتهى .

/خ43