بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلّٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِيَ لَوۡلَآ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ لَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّۖ وَنُودُوٓاْ أَن تِلۡكُمُ ٱلۡجَنَّةُ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (43)

ثم قال عزّ وجل : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ غِلّ } قال بعضهم : أي في الدنيا أخرج الله تعالى الغل والحسد من قلوبهم ، وألف بين قلوبهم كما قال الله تعالى :

{ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا في الأرض جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ الأنفال : 63 ] ويقال : هذا في الجنة يخرج الغل والحسد من قلوبهم . قال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعليّ ونحوهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تابعهم على سنتهم ومنهاجهم إلى يوم القيامة . وقال عليّ بن أبي طالب لعمران بن طلحة بن عبيد الله : أرجو أن أكون أنا وأبوك من الذين قال الله تعالى فيهم : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا على سُرُرٍ متقابلين } فأنكر عليه بعضهم . فقال عليّ : إن لم نكن نحن فمن هم ؟ يعني : إن الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن في قلوبهم من الغل حتى ينزع عنهم { تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأنهار } أي من تحت غرفهم وقصورهم وأشجارهم الأنهار { وَقَالُواْ الحمد لِلَّهِ الذي هَدَانَا لهذا } أي أكرمنا بهذه الكرامة . ويقال : إن الذي وفقنا للأمر الذي أوجب لنا هذا الثواب وهو الإسلام . ويقال : هدانا لهاتين العينين . وذلك أن أهل الجنة لما انتهوا إلى باب الجنة ، فإذا هم بشجرة تنبع من ساقها عينان ، فيعمدون إلى إحداهما ، فيشربون منها ، فيخرج الله تعالى ما كان في أجوافهم من غل وقذر فذلك قوله تعالى : { عاليهم ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وحلوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وسقاهم رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } [ الإنسان : 21 ] ثم يعمدون إلى الأخرى فيغتسلون فيها فيطيب الله تعالى أجسادهم من كل درن وحسد وجرت عليهم نضرة ولا تشعث رؤوسهم ، ولا تغبر وجوههم ، ولا تشحب أجسادهم أبداً ، تتلقاهم خزنة الجنة فينادون في التقديم أي : قبل أن يدخلوها { أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } فقالوا بعد ما اغتسلوا من العينين { الحمد لِلَّهِ الذي هَدَانَا لهذا } أي : وفقنا حتى اغتسلنا من هاتين العينين . ويقال : لما دخلوا الجنة ونظروا إلى كراماتها قَالُوا : { الحمد لِلَّهِ الذي هَدَانَا } يعني : لهذا الثواب { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا الله } أي : ما كنا لولا أن وفقنا الله . ذلك أنهم علموا أن الله تعالى له عليهم المن والفضل فيما أعطاهم . قرأ ابن عامر { مَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ } بغير واو على الاستئناف . وقرأ الباقون والواو وعلى معنى العطف .

{ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بالحق } يعني : جاءت رسل ربنا بالحق فصدقناهم { وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الجنة } قال بعضهم : قبل أن يدخلوها قال لهم خزنة الجنة تلكم الجنة التي وعدتم . ويقال بعد ما دخلوا بها يقال لهم : تلك الجنة أي : هذه الجنة التي { أُورِثْتُمُوهَا } يعني : أنزلتموها بإيمانكم واقتبستموها { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } في دار الدنيا . وهذا كما روي في الخبر أنه يقال لهم يوم القيامة : « جُوزُوا الصِّراطَ بِعَفْوِي وَادْخُلُوا الجَنَّةَ بِرَحْمَتِي وَاقْتَسِمُوها بِأَعْمَالِكُمْ »