مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلّٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِيَ لَوۡلَآ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ لَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّۖ وَنُودُوٓاْ أَن تِلۡكُمُ ٱلۡجَنَّةُ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (43)

وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ } حقد كان بينهم في الدنيا فلم يبق بينهم إلا التواد والتعاطف ، وعن علي رضي الله عنه : إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم { تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأضنهار } حال من «هم » في { صُدُورُهُمْ } والعامل فيها معنى الإضافة { وَقَالُواْ الحمد لِلَّهِ الذى هَدَانَا لهذا } لما هو وسيلة إلى هذا الفوز العظيم وهو الإيمان { وَمَا كُنَّا } { مَا كُنَّا } بغير «واو » : شامي على أنها جملة موضحة للأولى { لِنَهْتَدِىَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا الله } اللام لتوكيد النفي أي وما كان يصح أن نكون مهتدين لولا هداية الله ، وجواب «لولا » محذوف دل عليه ما قبله { لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بالحق } فكان لطفاً لنا وتنبيهاً على الاهتداء فاهتدينا ، يقولون ذلك سروراً بما نالوا وإظهاراً لما اعتقدوا { وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الجنة } «أن » مخففة من الثقيلة واسمها محذوف ، والجملة بعدها خبرها تقديره ونودوا بأنه تلكم الجنة . والهاء ضمير الشأن ، أو بمعنى أي كأنه قيل ، لهم تلكم الجنة { أُورِثْتُمُوهَا } أعطيتموها وهو حال من { الجنة } والعامل فيها ما في { تِلْكَ } من معنى الإشارة { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } سماها ميراثاً لأنها لا تستحق بالعمل بل هي محض فضل الله وعده على الطاعات كالميراث من الميت ليس بعوض عن شيء بل هو صلة خالصة . وقال الشيخ أبو منصور رحمه الله : إن المعتزلة خالفوا الله فيما أخبر ونوحاً عليه السلام وأهل الجنة والنار وإبليس ، لأنه قال الله تعالى { يُضِلُّ مَن يَشَآء وَيَهْدِى مَن يَشَآء } [ النحل : 93 ] وقال نوح عليه السلام : { وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ الله يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ } [ هود : 34 ] وقال أهل الجنة : { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا الله } وقال أهل النار : { لَوْ هَدَانَا الله لَهَدَيْنَاكُمْ } [ ابراهيم : 21 ] وقال إبليس { فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى }