الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلّٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِيَ لَوۡلَآ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ لَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّۖ وَنُودُوٓاْ أَن تِلۡكُمُ ٱلۡجَنَّةُ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (43)

أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال : فينا والله أهل بدر نزلت هذه الآية { ونزعنا ما في صدورهم من غل } .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله { ونزعنا ما في صدروهم من غل } قال : هي العداوة .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يحبس أهل الجنة بعد ما يجوزون الصراط حتى يؤخذ لبعضهم من بعض ظلاماتهم في الدنيا ، فيدخلون الجنة وليس في قلوب بعضهم على بعض غل .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي قال : إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة فبلغوا ، وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان ، فيشربون من إحداهما فينزع ما في صدورهم من غل ، فهو الشراب الطهور ، واغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم ، فلن يشعثوا ولن يشحبوا بعدها أبداً .

وأخرج ابن جرير عن أبي نضرة قال : يحبس أهل الجنة دون الجنة حتى يقتص لبعضهم من بعض حتى يدخلوا الجنة حين يدخلونها ولا يطلب أحد أحداً بقلامة ظفر ظلمها إياه ، ويحبس أهل النار دون النار ، حتى يقتص لبعضهم من بعض ، فيدخلون النار حين يدخلونها ولا يطلب أحد منهم أحداً بقلامة ظفر ظلمها إياه .

أما قوله تعالى { وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا } .

أخرج النسائي وابن أبي الدنيا وابن جرير في ذكر الموت وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كل أهل النار يرى منزله من الجنة ، يقول : لو هدانا الله فيكون حسرة عليهم ، وكل أهل الجنة يرى منزله من النار ، فيقول : لولا أن هدانا الله » فهذا شكرهم .

وأخرج سعيد بن منصور وأبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أبي هاشم قال : كتب عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز أن من قبلنا من أهل البصرة قد أصابهم من الخير خير حتى خفت عليهم . فكتب إليه عمر : قد فهمت كتابك ، وأن الله لما أدخل أهل الجنة رضي منهم بأن قالوا { الحمد لله الذي هدانا لهذا } فمر من قبلك أن يحمدوا الله .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والدارمي ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم { ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } قال « نودوا : أن صحوا فلا تسقموا ، وأنعموا فلا تبأسوا ، وشبوا فلا تهرموا ، واخلدوا فلا تموتوا » .

وأخرج هناد وابن جرير وعبد بن حميد عن أبي سعيد قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد : يا أهل الجنة إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً ، وإن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا أبداً ، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً ، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً ، فذلك قوله { ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } .

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن السدي { ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } قال : ليس من مؤمن ولا كافر إلا وله في الجنة والنار منزل مبين ، فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ودخلوا منازلهم ، رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها ، فقيل : هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله ، ثم يقال : يا أهل الجنة رثوهم بما كنتم تعملون . فيقتسم أهل الجنة منازلهم .

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي معاذ البصري قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « والذي نفسي بيده أنهم إذا خرجوا من قبورهم يستقبلون بنوق بيض لها أجنحة عليها رحال الذهب ، شرك نعالهم نور يتلألأ ، كل خطوة منها مد البصر ، فينتهون إلى شجرة ينبع من أصلها عينان ، فيشربون من إحداهما فتغسل ما في بطونهم من دنس ، ويغتسلون من الأخرى فلا تشعث أبصارهم ولا أشعارهم بعدها أبداً ، وتجري عليهم نضرة النعيم فينتهون إلى باب الجنة ، فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب ، فيضربون بالحلقة على الصفحة فيسمع لها طنين ، فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل ، فتبعث قَيِّمَهَا فيفتح له ، فإذا رآه خرّ له ساجداً فيقول : ارفع رأسك إنما أنا قَيِّمُكَ وُكِّلْتُ بأمرك ، فيتبعه ويقفو أثره ، فيستخف الحوراء العجلة ، فتخرج من خيام الدر والياقوت حتى تعتنقه ، ثم تقول : أنت حبي وأنا حبك ، وأنا الخالدة التي لا أموت ، وأنا الناعمة التي لا أبأس ، وأنا الراضية التي لا أسخط ، وأنا المقيمة التي لا أظعن . فدخل بيتاً من رأسه إلى سقفه مائة ألف ذراع ، بناؤه على جندل اللؤلؤ طرائق أصفر وأحمر وأخضر ، ليس منها طريقة تشاكل صاحبتها ، في البيت سبعون سريراً على كل سرير سبعون حشية ، على كل حشية سبعون زوجة ، على كل زوجة سبعون حلة يُرَى مخ ساقها من باطن الحلل ، يقضي جماعها في مقدار ليلة من لياليكم ، هذه الأنهار من تحتهم تطرد أنهاراً من ماء غير آسن ، فإن شاء أكل قائماً ، وإن شاء أكل قاعداً ، وإن شاء أكل متكئاً . ثم تلا { ودانية عليهم ظلالها وَذُلِّلت قطوفها تذليلاً } [ الأعراف : 8-9 ] فيشتهي الطعام فيأتيه طير أبيض ، فترفع أجنحتها فيأكل من جنوبها أي الألوان شاء ، ثم تطير فتذهب ، فيذهب الملك فيقول : سلام عليكم { تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } »