استئناف ابتدائي مسوق لتحقيق خلود الفريقين في النّار ، الواقععِ في قوله : { والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } [ الأعراف : 36 ] فأخبر الله بأنّه حرمهم أسباب النّجاة ، فَسَدّ عليهم أبواب الخير والصّلاح ، وبأنّه حرّمهم من دخول الجنّة .
وأكّد الخبر ب { إنّ } لتأييسهم من دخول الجنّة ، لدفع توهّم أن يكون المراد من الخلود المتقدّم ذكرُه الكنايةَ عن طول مدّة البقاء في النّار فإنّه ورد في مواضع كثيرة مراداً به هذا المعنى .
ووقع الإظهار في مقام الإضمار لدفع احتمال أن يكون الضّمير عائداً إلى إحدى الطّائفتين المتحاورتين في النّار ، واختير من طرق الإظهار طريق التّعريف بالموصول إيذاناً بما تومىء إليه الصّلة من وجه بناءِ الخبر ، أي : إنّ ذلك لأجل تكذيبهم بآيات الله واستكبارهم عنها ، كما تقدّم في نظيرها السّابق آنفاً .
والسّماءُ أطلقت في القرآن على معانٍ ، والأكثر أن يراد بها العوالم العليا غير الأرضيّة ، فالسّماء مجموع العوالم العليا وهي مَراتب وفيها عوالم القُدس الإلهيّةُ من الملائكة والرّوحانيات الصّالحة النّافعة ، ومصدرُ إفاضة الخيرات الرّوحيّة والجثمانيّة على العالم الأرضي ، ومصدَرُ المقادير المقدّرة قال تعالى : { وفي السماء رزقكم وما توعدون } [ الذاريات : 22 ] ، فالسّماء هنا مراد بها عالم القدس .
وأبوابُ السّماء أسبابُ أمور عظيمة أطلق عليها اسم الأبواب لتقريب حقائقها إلى الأذهان فمنها قبول الأعمال ، ومسالكُ وصول الأمور الخيّريّة الصّادرة من أهل الأرض ، وطرق قبولها ، وهو تمثيل لأسباب التّزكية ، قال تعالى : { والعمل الصالح يرفعه } [ فاطر : 10 ] ، وما يعلم حقائقها بالتّفصيل إلاّ الله تعالى ، لأنّها محجوبة عنّا ، فكما أنّ العفاة والشّفعاء إذا وَرَدُوا المكان قد يُقبلون ويُرضى عنهم فتُفْتَح لهم أبواب القصور والقباب ويُدخلون مُكرّمين ، وقد يردّون ويُسخطون فتوصد في وجوههم الأبوابُ ، مُثِّل إقصاء المكذّبين المستكبرين وعدمُ الرّضا عنهم في سائر الأحوال ، بحال من لا تفتَح له أبواب المنازل ، وأضيفت الأبواب إلى السّماء ليظهر أنّ هذا تمثيل لحرمانهم من وسائل الخيرات الإلهيّة الروحية ، فيشمل ذلك عدم استجابة الدّعاء ، وعدم قبول الأعمال والعبادات ، وحرمان أرواحهم بعد الموت مشاهدة مناظر الجنّة ومقاعد المؤمنين منها ، فقوله : { لا نفتح لهم أبواب السماء } كلمة جامعة لمعنى الحرمان من الخيرات الإلهيّة المحضة ، وإن كانوا ينالون من نِعم الله الجثمانية ما يناله غيرهم ، فيغاثون بالمَطَر ، ويأتيهم الرّزق من الله ، وهذا بيان لحال خذلانهم في الدّنيا الحائل بينهم وبين وسائل دخول الجنّة . كما قال النّبي صلى الله عليه وسلم « كلّ ميسَّر لِمّا خُلِق له » وقال تعالى : { فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى } [ الليل : 5 10 ] .
وقرأ نافع ، وابن كثير ، وعاصم ، وابن عامر ، وأبو جعفر ، ويعقوبُ : { لا تُفَتَّح } بضمّ التّاء الأولى وفتح الفاء والتّاءِ الثّانية مشدّدة وهو مبالغة في فَتح ، فيفيد تحقيق نفي الفتح لهم ، أو أشير بتلك المبالغة إلى أن المنفي فتح مخصوص وهو الفتح الذي يفتح للمؤمنين ، وهو فتح قوي ، فتكون تلك الإشارة زيادة في نكايتهم .
وقرأ أبو عَمرو بضمّ التّاء الأولى وسكون الفاء وفتح التّاء الثّانية مخفّفة . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلَف { لا يُفتَحُ } بمثنّاة تحتيّة في أوّله مع تخفيف المثنّاة الفوقيه مفتوحة على اعتبار تذكير الفعل لأجل كون الفاعل جمعاً لمذكّر .
وقوله : { ولا يدخلون الجنّة } إخبار عن حالهم في الآخرة وتحقيق لخلودهم في النّار .
وبعد أن حُقّق ذلك بتأكيد الخبر كلّه بحرف التّوكيد ، زيد تأكيداً بطريق تأكيد الشّيء بما يشبه ضدّه ، المشتهرِ عند أهل البيان بتأكيد المدح بما يُشْبه الذّم ، وذلك بقوله تعالى : { حتى يلج الجمل في سم الخياط } فقد جعل لانتفاء دخولهم الجنّة امتداداً مستمراً ، إذْ جعل غايته شيئاً مستحيلاً ، وهو أن يَلج الجمل في سَمّ الخياط ، أي لو كانت لانتفاء دخولهم الجنّة غايةٌ لكانت غايتُه ولوجَ الجْمل وهو البعير في سَمّ الخِياط ، وهو أمر لا يكون أبداً .
والجَمَل : البعير المعروف للعرب ، ضُرب به المثل لأنّه أشهر الأجسام في الضّخامة في عرف العرب . والخِياط هو المِخْيَط بكسر الميم وهو آلة الخياطة المسمّى بالإبْرَة ، والفِعال وَرَدَ اسماً مرادفاً للمِفعَل في الدّلالة على آلةِ الشّيء كقولهم حِزَام ومِحْزم ، وإزار ومِئْزر ، ولِحاف ومِلحَف ، وقِناع ومِقنع .
والسَمّ : الخَرْت الذي في الإبرة يُدخل فيه خيط الخائط ، وهو ثقب ضيّق ، وهو بفتح السّين في الآية بلغة قريش وتضمّ السّين في لغة أهل العالية . وهي ما بين نجد وبين حدود أرض مكّة .
والقرآن أحال على ما هو معروف عند النّاس من حقيقة الجَمل وحقيقة الخِياط ، ليعلم أنّ دخول الجمل في خَرْت الإبرة محال متعذّر ما داما على حاليهما المتعارفين .
والإشارة في قوله : { وكذلك } إشارة إلى عدم تفتّح أبواب السّماء الذي تضمّنه قوله : { لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة } أي ، ومثل ذلك الانتفاء ، أي الحرمان نجزي المجرمين لأنّهم بإجرامهم ، الذي هو التّكذيب والإعراض ، جعلوا أنفسهم غير مكترثين بوسائل الخير والنّجاة ، فلم يتوخّوها ولا تطلبوها ، فلذلك جزاهم الله عن استكبارهم أن أعرض عنهم ، وسدّ عليهم أبواب الخيرات .
وجملة { وكذلك نجزي المجرمين } تذييل يؤذن بأنّ الإجرام هو الذي أوقعهم في ذلك الجزاء ، فهم قد دخلوا في عموم المجرمين الذين يجْزون بمثل ذلك الجزاء ، وهم المقصود الأوّل منهم ، لأنّ عقاب المجرمين قد شُبّه بعقاب هؤلاء ، فعلم أنّهم مجرمون ، وأنّهم في الرّعيل الأوّل من المجرمين ، حتّى شُبِّه عقاب عموم المجرمين بعقاب هؤلاء وكانوا مثَلا لذلك العموم .
والإجرام : فعل الجُرْم بضمّ الجيم وهو الذنْب ، وأصل : أجرم صار ذا جُرم ، كما يقال : ألْبَنَ وأتمر وأخْصَب .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: إن الذين كذّبوا بحججنا وأدلتنا فلم يصدّقوا بها ولم يتبعوا رسلنا، "واسْتَكْبَرُوا عَنْها "يقول: وتكبروا عن التصديق بها وأنفوا من اتباعها والانقياد لها تكبرا، "لا تفتح لهم": لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم أبواب السماء، ولا يصعد لهم في حياتهم إلى الله قول ولا عمل، لأن أعمالهم خبيثة، وإنما يرفع الكلم الطيب والعمل الصالح، كما قال جلّ ثناؤه: "إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطّيّبُ وَالعَمَلَ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ". ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "لا تُفَتّحُ لَهُمْ أبْوَابُ السّماءِ"؛ فقال بعضهم: معناه: لا تفتح لأرواح هؤلاء الكفار أبواب السماء. وقال آخرون: معنى ذلك: أنه لا يصعد لهم عمل صالح ولا دعاء إلى الله. وقال آخرون: معنى ذلك: لا تفتح أبواب السماء لأرواحهم ولا لأعمالهم.
وإنما اخترنا في تأويل ذلك ما اخترنا من القول لعموم خبر الله جلّ ثناؤه أن أبواب السماء لا تفتح لهم، ولم يخصص الخبر بأنه يفتح لهم في شيء، فذلك على ما عمه خبر الله تعالى بأنها لا تفتح لهم في شيء مع تأييد الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلنا في ذلك.
"وَلا يَدْخُلُونَ الجَنّةَ حتى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمّ الخِياطِ وكذلكَ نَجْزِي المُجْرِمين" يقول جلّ ثناؤه: ولا يدخل هؤلاء الذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها الجنة التي أعدّها الله لأوليائه المؤمنين أبدا، كما لا يلج الجمل فِي سَمّ الخياط أبدا، وذلك ثقب الإبرة. وكلّ ثقب في عين أو أنف أو غير ذلك، فإن العرب تسميه سَمّا، وأما الخِياط: فإنه المِخْيَط وهي الإبرة...
وأما القرّاء من جميع الأمصار، فإنها قرأت قوله: "فِي سَمّ الخِياطِ" بفتح السين وأجمعت على قراءة «الجَمَل» بفتح الجيم والميم وتخفيف ذلك. وأما ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير، فإنه حُكي عنهم أنهم كانوا يقرءون ذلك: «الجُمّل» بضم الجيم وتشديد الميم، على اختلاف في ذلك عن سعيد وابن عباس. فأما الذين قرأوه بالفتح من الحرفين والتخفيف، فإنهم وجهوا تأويله إلى الجمل المعروف وكذلك فسروه. وأما الذين خالفوا هذه القراءة فإنهم اختلفوا، فرُوي عن ابن عباس في ذلك روايتان: إحداهما الموافقة لهذه القراءة وهذا التأويل.
والرواية الأخرى...عن ابن عباس: في قوله: «حتى يَلِجَ الجُمّلُ فِي سَمّ الخِياطِ» قال: هو قَلْس السفينة... يعني: الحبل الغليظ.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار وهو: "حتى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمّ الخياطِ" بفتح الجيم والميم من «الجمل» وتخفيفها، وفتح السين من «السّمّ»، لأنها القراءة المستفيضة في قرّاء الأمصار، وغير جائز مخالفة ما جاءت به الحجة متفقة عليه من القرّاء، وكذلك ذلك في فتح السين في قوله: "سَمّ الخِياطِ". وإذ كان الصواب من القراءة ذلك، فتأويل الكلام: ولا يدخلون الجنة حتى يلج، والولوج: الدخول... بمعنى: دخل الجمل في سَمّ الإبرة وهو ثقبها. "وكذلكَ نَجْزِي المُجْرِمِينَ" يقول: وكذلك نثيب الذين أجرموا في الدنيا ما استحقوا به من الله العذاب الأليم في الآخرة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
وقوله تعالى: {لا تفتّح لهم أبواب السماء}... وذلك أن أعمال المؤمنين ترفع إلى السماء، وتصعد إليها أرواحهم؛ وأعمال الكفرة وأرواحهم ترد إلى أسفل السافلين كقوله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطّيّب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10] وقال في الكافر: {ثم رددناه أسفل سافلين} {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [التين: 5و6] فإذا كانت أعمال المؤمنين وأرواحهم ترفع إلى السماء، وتصعد إليها أخبر أنه لا تفتح للكافرين أبواب السماء ولا لأعمالهم، ولكن ترد إلى السّجّين. فإن قيل: كيف خوّفهم بما ذكر من سد الأبواب عليهم؟ وجعل لهم مهادا وغواشي، وهم لا يؤمنون بذلك كله، كيف خوّفوا به؟ قيل: المرء إذا خوّف بشيء، فإنه يخاف، ويهاب ذلك، وإن لم يتيقّن بذلك، ولا تحقق عنده ما خوّف به حتى يستعدّ لذلك، ويتهيأ، وإن كان على شك من ذلك وظن. فعلى ذلك هؤلاء خوّفوا بالنار وأنواع العذاب، وإن كانوا شاكّين في ذلك غير مصدقين لما يجوز أن يهابهم ذلك، أو أن يخوّفهم بذلك المؤمنون كقوله تعالى: {واتقوا النار التي أعدّت للكافرين} [آل عمران: 131] وقوله تعالى: {وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} [الذاريات: 55] أو أن يكون التخويف لمن آمن منهم بالبعث لأن منهم من قد آمن بالبعث والجزاء والثواب.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
اعلم أن أبواب السماء تفتح لثلاثة: للأعمال، والأدعية، والأرواح...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
هذه الآية عامة في جميع الكفرة قديمهم وحديثهم.. ومعنى الآية لا يرتفع لهم عمل ولا روح ولا دعاء، فهي عامة في نفي ما يوجب للمؤمنين بالله تعالى...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما جرت العادة بأن أهل الشدائد يتوقعون الخلاص، أخبر أن هؤلاء ليسوا كذلك، لأنهم أنجاس فليسوا أهلاً لمواطن الأقداس، فقال مستأنفاً لجواب من كأنه قال: أما لهؤلاء خلاص؟ وأظهر موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف: {إن الذين كذبوا بآياتنا} أي وهي المعروفة بالعظمة بالنسبة إلينا {واستكبروا عنها} أي وأوجدوا الكبر متجاوزين عن اتباعها {لا تفتح لهم} أي لصعود أعمالهم ولا دعائهم ولا أرواحهم ولا لنزول البركات عليهم {أبواب السماء} لأنها طاهرة عن الأرجاس الحسية والمعنوية فإذا صعدت أرواحهم الخبيثة بعد الموت مع ملائكة العذاب أغلقت الأبواب دونها ثم ألقيت من هناك إلى سجين {ولا يدخلون الجنة} أي التي هي أطهر المنازل وأشرفها {حتى} يكون ما لا يكون بأن {يلج} أي يدخل ويجوز {الجمل} على كبره {في سم} أي في خرق {الخياط} أي الإبرة اي حتى يكون ما لا يكون، إذاً فهو تعليق على محال، فإن الجمل مثل في عظم الجرم عند العرب، وسم الإبرة مثل في ضيق المسلك، يقال: أضيق من خرق الإبرة، ومنه الماهر الخريت للدليل الذي يهتدي في المضايق المشبهة بأخراق الإبر؛ وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عن الجمل فقال: زوج الناقة -استجهالاً للسائل وإشارة إلى أن طلب معنى آخر غير هذا الظاهر تكلف.
ولما كان هذا للمكذبين المستكبرين أخبر أنه لمطلق القاطعين أيضاً فقال: {وكذلك} أي و مثل ذلك الجزاء بهذا العذاب وهو أن دخولهم الجنة محال عادة {نجزي المجرمين} أي القاطعين لما أمر الله به أن يوصل وإن كانوا أذناباً مقلدين للمستكبرين المكذبين.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والسّماءُ أطلقت في القرآن على معانٍ، والأكثر أن يراد بها العوالم العليا غير الأرضيّة، فالسّماء مجموع العوالم العليا وهي مَراتب وفيها عوالم القُدس الإلهيّةُ من الملائكة والرّوحانيات الصّالحة النّافعة، ومصدرُ إفاضة الخيرات الرّوحيّة والجثمانيّة على العالم الأرضي، ومصدَرُ المقادير المقدّرة قال تعالى: {وفي السماء رزقكم وما توعدون} [الذاريات: 22]، فالسّماء هنا مراد بها عالم القدس. وأبوابُ السّماء أسبابُ أمور عظيمة أطلق عليها اسم الأبواب لتقريب حقائقها إلى الأذهان فمنها قبول الأعمال، ومسالكُ وصول الأمور الخيّريّة الصّادرة من أهل الأرض، وطرق قبولها، وهو تمثيل لأسباب التّزكية، قال تعالى: {والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10]، وما يعلم حقائقها بالتّفصيل إلاّ الله تعالى، لأنّها محجوبة عنّا، فكما أنّ العفاة والشّفعاء إذا وَرَدُوا المكان قد يُقبلون ويُرضى عنهم فتُفْتَح لهم أبواب القصور والقباب ويُدخلون مُكرّمين، وقد يردّون ويُسخطون فتوصد في وجوههم الأبوابُ، مُثِّل إقصاء المكذّبين المستكبرين وعدمُ الرّضا عنهم في سائر الأحوال، بحال من لا تفتَح له أبواب المنازل، وأضيفت الأبواب إلى السّماء ليظهر أنّ هذا تمثيل لحرمانهم من وسائل الخيرات الإلهيّة الروحية، فيشمل ذلك عدم استجابة الدّعاء، وعدم قبول الأعمال والعبادات، وحرمان أرواحهم بعد الموت مشاهدة مناظر الجنّة ومقاعد المؤمنين منها، فقوله: {لا نفتح لهم أبواب السماء} كلمة جامعة لمعنى الحرمان من الخيرات الإلهيّة المحضة، وإن كانوا ينالون من نِعم الله الجثمانية ما يناله غيرهم، فيغاثون بالمَطَر، ويأتيهم الرّزق من الله، وهذا بيان لحال خذلانهم في الدّنيا الحائل بينهم وبين وسائل دخول الجنّة. وجملة {وكذلك نجزي المجرمين} تذييل يؤذن بأنّ الإجرام هو الذي أوقعهم في ذلك الجزاء، فهم قد دخلوا في عموم المجرمين الذين يجْزون بمثل ذلك الجزاء، وهم المقصود الأوّل منهم، لأنّ عقاب المجرمين قد شُبّه بعقاب هؤلاء، فعلم أنّهم مجرمون، وأنّهم في الرّعيل الأوّل من المجرمين، حتّى شُبِّه عقاب عموم المجرمين بعقاب هؤلاء وكانوا مثَلا لذلك العموم.