الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَٱسۡتَكۡبَرُواْ عَنۡهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمۡ أَبۡوَٰبُ ٱلسَّمَآءِ وَلَا يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلۡجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلۡخِيَاطِۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (40)

قوله : { إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها }[ 40 ] ، الآية .

المعنى : إن الذين كذبوا بآيات الله وتكبروا عن الإيمان بها{[23596]} ، { لا تفتح } ، لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم{[23597]} ، { أبواب السماء }[ 40 ] ، ولا يصعد لهم في حياتهم [ إلى{[23598]}الله ] قول ولا عمل{[23599]} ، قاله ابن عباس{[23600]} .

وقال أبو موسى/الأشعري في قوله : { لا تفتح لهم أبواب السماء } إن{[23601]} روح المؤمن تخرج{[23602]} وريحها أطيب من ريح المسك فتصعد بها الملائكة الذين يتوفونها ، فتتلقاهم ملائكة آخرون دون سماء الدنيا فيقولون : من هذا ؟ فيقولون : هذا فلان كان يعمل كيت وكيت ، وتذكر محاسن عمله : فيقولون{[23603]} مرحبا بكم وبه فيقبضونه ، ويصعدون{[23604]} به من بابه الذي{[23605]} كان يصعد منه عمله ، فيشرق في السموات حتى ينتهي إلى العرش ، وله برهان كبرهان الشمس ، ويخرج روح الكافر أنتن من الجيفة ، فتصعد به الملائكة الذين يتوفونه فتتلقاهم{[23606]} ملائكة آخرون من دون السماء ، فيقولون : من هذ ؟ [ فيقولون : هذا{[23607]} ] فلان بن فلان ، كان يعمل كيت وكيت ، تذكر{[23608]} مساوئ عمله ، فيقولون : لا مرحبا به ردوه ، قال فيرد إلى واد يقال له برهوت{[23609]} ، أسفل الثرى ، من الأرضين السبع .

وعن ابن عباس نحوه .

وروى البراء بن عازب : أن النبي عليه السلام ، ذكر عذاب القبر في حديث طويل ، فقال فيه : إن الكافر إذا كان في انقطاع{[23610]} من الدنيا وإقبال من الآخرة ، أتاه ملك الموت فينزع نفسه ، كما ينزع الصوف المبلول من السُّفُود{[23611]} ، فتأخذها الملائكة فيصعدون بها ، فتستفتح لها أبواب السماء فلا تفتح لها ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه ( وسلم ){[23612]} : { لا تفتح لهم أبواب السماء } ، الآية . فيقول لهم ( الله ){[23613]} ، تبارك وتعالى : اكتبوا في سجين ، وأعيدوه إلى الأرض . قال : فيطرح روحه طرحا [ قال{[23614]} : ] ثم قرأ رسول الله{[23615]} صلى الله عليه وسلم { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء{[23616]} } ، الآية{[23617]} .

وقال السدي : إن الكافر إذ أُخذ روحه ، ضربته ملائكة الأرض حتى يرتفع إلى السماء ، فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء فهبط إلى أسفل الأرضين . وإذا كان مؤمنا رفع روحه ، وفتحت له أبواب السماء فلا يمر بملك إلا حياه وسلم عليه ، حتى ينتهي إلى الله ، فيعطيه حاجته ، ثم يقول : ردوا روح عبدي فيه إلى الأرض ، فإني قضيت من التراب خلقته ، وإلى التراب يعود ، ومنه يخرج{[23618]} .

وقال ابن جبير ، معناه : لا يرفع لهم عمل ولا دعاء{[23619]} .

وأكثرهم على أن المعنى : { لا تفتح لهم } ، أي : لأرواحهم ولا لأعمالهم{[23620]} .

وقيل المعنى : لا تفتح لهم أبواب الجنة ؛ لأن الجنة في السماء ، ودل على ذلك قوله : { ولا يدخلون الجنة }{[23621]} بعقبه .

وقوله : { حتى يلج الجمل في سم الخياط }[ 409 ] .

أي : لا يدخل هؤلاء المكذبون الجنة حتى يدخل { الجمل } : زوج الناقة{[23622]} ، في ثقب الإبرة ، وهو لا يدخلها أبدا ، وكذلك هؤلاء لا يدخلون الجنة أبدا{[23623]} .

وكل ثقب في عين أو أنف أو أذن أو غير ذلك ، فالعرب تسميه " سَمًّا " و " سُمًّا " ، بفتح السين وضمها ، وجمعه " سُموم " وجمع السم{[23624]} القاتل " سِمام " {[23625]} .

وقرأ ابن سيرين " في سُم الخياط " بضم السين{[23626]} .

وقرأ ابن عباس ، وعكرمة ، وابن جبير : " الجُمَّل{[23627]} " بضم " الجيم " وتشديد " الميم " {[23628]} ، وهو حبل السفينة الغليظ{[23629]} .

وقيل : هو الحبل الذي يصعد به في النخل{[23630]} .

[ وعن سعيد بن جبير{[23631]} ] أنه قرأ " الجُمَل " بضم [ الجيم{[23632]} ] والتخفيف جعله جمع " جملة " من الحبال{[23633]} ، ك " ظُلمة " و " ظُلم " {[23634]} .

ومن شدد فهو اسم واحد ، وهو الحبل الغليظ{[23635]} .

وقرأ أحمد بن يحيى{[23636]} " الجمل " ، وهو جمع " جملة " ، وهي الحبال المجموعة{[23637]} .

فالمعنى : لا يدخلون الجنة حتى يدخل هذا الحبل الغليظ في ثقب الإبرة ، فكما ( أنه ){[23638]} لا يدخل في ثقب الإبرة{[23639]} ، ( كذلك هؤلاء لا يدخلون الجنة ){[23640]} أبدا{[23641]} .

ثم قال تعالى : { وكذلك نجزي المجرمين }[ 40 ] ، /نثيبهم بما اكتسبوا في الدنيا{[23642]} .


[23596]:انظر: جامع البيان 12/421.
[23597]:جامع البيان 12/421.
[23598]:زيادة من جامع البيان 12/421، فالنص للطبري.
[23599]:جامع البيان 12/421.
[23600]:جامع البيان 12/422، وتفسير الخازن 2/87. وانظر: تفسير الماوردي 2/222، وزاد المسير 3/196، وتفسير القرطبي 7/132.
[23601]:في الأصل: لأن، وهو تحريف.
[23602]:في الأصل: يخرج، وهو تصحيف.
[23603]:في الأصل: فيقولون من هذا؟ وهو سهو ناسخ.
[23604]:في ج: فيصعدون به.
[23605]:في الأصل: الذين، وهو تحريف.
[23606]:في ج: يتوفونهم فتتلقاه.
[23607]:زيادة من ج.
[23608]:في ج: فيذكرون.
[23609]:برهوت: بضم الهاء وسكون الواو...، واد باليمن يوضع فيه أرواح الكفار، وقيل: بئر بحضرموت. انظر: معجم البلدان 1/405.
[23610]:في الأصل: في انطقطاع من الدنيا، وليس بشيء.
[23611]:في تفسير ابن كثير 2/213، والدر المنثور 4/454،: "كما ينتزع السفود من الصوف المبلول".
[23612]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23613]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23614]:زيادة من ج.
[23615]:ما بعد: رسول الله....إلى: بالله، عسير القراءة في ج.
[23616]:الحج: 29، وتمامها: {فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق}.
[23617]:هو قطعة من حديث طويل، أخرجه الطبري في جامع البيان 12/424، مختصرا. وانظر: فيه تعليق الشيخ محمود شاكر على رجال سند الحديث ومصادر تخريجه. وأخرجه ابن كثير في تفسيره 2/213، والسيوطي في الدر المنثور 3/453، وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين". وأقره الذهبي، وهو كما قالا. انظر: أحكام الجنائز وبدعها، 202.
[23618]:جامع البيان 12/422، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1477، والدر المنثور 3/455، وفيها: "...، فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء فهبط، فضربته ملائكة الأرض فارتفع، فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته السماء الدنيا فهبط إلى أسفل الأرضين".
[23619]:جامع البيان 12/423، وتفسير ابن كثير 2/213، والدر المنثور 3/455.
[23620]:هو قول ابن جريج في تفسيره 131، وجامع البيان 12/423، وزاد المسير 3/196، وعزاه أيضا إلى مقاتل، والدر المنثور 3/455. وقال ابن كثير في تفسيره 2/213: "وقيل: المراد، لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء، رواه الضحاك عن ابن عباس، وقاله السدي وغير واحد".
[23621]:معاني القرآن للزجاج 2/337، وتفسير الماوردي 2/222، وفي نصه زيادة: "وهذا قول بعض المتأخرين"، وزاد المسير 3/197، وتفسير القرطبي 7/132.
[23622]:معاني القرآن للفراء 1/379. وهو قول ابن مسعود في جامع البيان 12/428، وتفسير هود ابن محكم الهواري 2/17، ومعاني القرآن للزجاج 2/338، وفيه: "وسئل ابن مسعود عن الجمل فقال: هو زوج الناقة: كأنه استجهل من سأله عن الجمل"، والمحرر الوجيز 2/400، وعزاه للحسن أيضا، وتفسير القرطبي 7/132.
[23623]:جامع البيان 12/427، بتصرف.
[23624]:السم، تحرفت في الأصل إلى: العم.
[23625]:انظر: جامع البيان 12/427، وتفسير القرطبي 7/133، والدر المصون 3/269، واللسان / سمم.
[23626]:المحرر الوجيز 2/400، وتفسير القرطبي 7/133، وعزاها ابن خالويه في مختصر في شواذ القرآن، إلى أبي السمال، وابن الجوزي في زاد المسير 3/198، إلى ابن مسعود، وأبي رزين، وقتادة، وابن محيصن، وطلحة بن مصرف.
[23627]:"الجُمَّلُ"، تحرفت في الأصل إلى: الجم.
[23628]:جامع البيان 12/428. وانظر: المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات 1/249، والبحر المحيط 4/300.
[23629]:وهو تفسير ابن عباس في جامع البيان 12/431.
[23630]:وهو تفسير عكرمة في جامع البيان 12/432. وورد في تفسير القرطبي 7/133، والبحر المحيط 4/300، باللفظ نفسه، بدون نسبة.
[23631]:زيادة يقتضيها السياق، ساقطة من الأصل، ومطموسة بفعل الأرضة والرطوبة في ج، وفي جامع البيان، 12/433، الذي ينقل عنه مكي: "وكأن من قرأ ذلك بتخفيف "الميم" وضم "الجيم"، على ما ذكرنا عن سعيد بن جبير،...". وهي قراءة ابن عباس أيضا، كما في المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات، 1/249. انظر: إعراب القراءات الشواذ 1/539.
[23632]:من ج.
[23633]:في الأصل: الجبال، وهو تصحيف.
[23634]:جامع البيان 12/433، بتصرف. وانظر: زاد المسير 3/198.
[23635]:وفي جامع البيان 12/433،: "وأما من شدد "الميم" وضم "الجيم" فإنه وجهه إلى أنه اسم واحد، هو الحبل أو الخيط الغليظ".
[23636]:وهو أحمد بن يحيى بن يزيد، البغدادي، أبو العباس ثعلب، ثقة كبير، له كتاب في القراءات، وروى القراءة عن سلمة بن عاصم، ويحيى بن زياد الفراء، إمام الكوفيين في النحو واللغة، توفي سنة 291هـ. انظر: غاية النهاية في طبقات القراء 1/148، وبغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة 1/396.
[23637]:وفي تفسير القرطبي 7/133، :"وقرأ ابن عباس: "الجُمَّل" بضم الجيم وفتح الميم وتشديدها، وهو حبل السفينة الذي يقال له القَلس، هو حبال مجموعة، جمع جُملة. قاله أحمد ابن يحيى ثعلب". وانظر: المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات 1/249، وإعراب القراءات الشواذ 1/539.
[23638]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23639]:الكلام بعد جملة: لا يدخلون الجنة، إلى هنا لحق في ج.
[23640]:مابين الهلالين ساقط من ج.
[23641]:هذا التفسير تكرار لما سلف الحديث عنه.
[23642]:جامع البيان 12/434، بتصرف.