غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَٱسۡتَكۡبَرُواْ عَنۡهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمۡ أَبۡوَٰبُ ٱلسَّمَآءِ وَلَا يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلۡجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلۡخِيَاطِۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (40)

35

ثم ذكر ما يدل على خلودهم في النار فقال : { إن الذين كذبوا بآياتنا } وهي الدلائل الدالة على الذات والصفات والنبوات والمعاد { واستكبروا عنها } أي ترفعوا عن قبولها { لا تفتح لهم أبواب السماء } قال ابن عباس : أي لا تفتح لأعمالهم ولا لدعائهم ولا لشيء مما يريدون به طاعة الله تعالى من قوله : { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } [ فاطر : 10 ] ومن قوله : { إن كتاب الأبرار لفي عليين } [ المطففين : 18 ] وقال السدي وغيره : لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء التي هي موضع بهجة الأرواح وأماكن سعاداتها كما جاء في الحديث «إن روح المؤمن يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال مرحباً بالنفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب ويقال لها ذلك حتى تنتهي إلى السماء السابعة . ويستفتح لروح الكافر فيقال لها ارجعي ذميمة فإنه لا تفتح لك أبواب السماء » وقيل : بناء على أن الجنة في السماء معناه ولا يؤذن لهم في الصعود إلى السماء ولا تطرّق لهم إليها حتى يدخلوا الجنة . وقيل : أي لا تنزل عليهم البركة والخير من قوله تعالى : { ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر } [ القمر : 11 ] { ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط } الولوج الدخول . وسئل ابن مسعود عن الجمل فقال : زوج الناقة استجهالاً للسائل وإشارة إلى أن طلب معنى آخر تكلف . والسم بالحركات الثلاثة وقد قرئ بها ثقب الإبرة وكل ثقب في البدن لطيف ومنه السم القاتل لنفوذه بلطفه في مسام البدن حتى يصل إلى القلب . والخياط ما يخاط به قال الفراء : خياط ومخيط كإزار ومئزر ولحاف وملحف وقناع ومقنع . ولما كان جسم الجمل من أعظم الأجسام المشهورة عند العرب كما قال :

لا عيب بالقوم من طول ومن عظم جسم الجمال وأحلام العصافير

وكان سم الإبراة مثلاً في ضيق المسلك حتى قيل : أضيق من خرت الإبرة . وقالوا للدليل الماهر خريت لاهتدائه في المضايق المشبهة بأخرات الإبر ، وقف الله تعالى دخولهم الجنة على حصول هذا الشرط المحال ليلزم يأسهم من دخول الجنة قطعاً فإن الموقوف على المحال محال ومثله قول العرب : «لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب ويبيض القار » . وقرئ الجمل بوزن القمل وكذا الجمل بوزن الحبل وبمعناه لأنه حبل ضخم من ليف أو خوص من آلات السفن . واختار ابن عباس هذا التفسير قائلاً : إن الله تعالى أحسن تشبيهاً من أن يشبه بالجمل يعني أن الحبل مناسب للخيط الذي يسلك في سم الإبرة والبعير لا يناسبه . وأهل التناسخ أوّلوا الآية بأن الأرواح التي كانت في الأبدان البشرية لمّا عصت وأذنبت فإنها بعد موت الأبدان ترد من بدن إلى بدن ولا تزال تبقى في التعذيب حتى تنتقل من بدن الجمل إلى بدن الذرة فتنفذ في سم الخياط ، وحينئذٍ تصير مطهرة عن تلك الذنوب فتدخل الجنة وتصل إلى السعادة { وكذلك } ومثل ذلك الجزاء الفظيع { نجزي المجرمين } قيل : هم الكافرون المكذبون المستكبرون المار ذكرهم ، وقيل : يدخل فيه الفساق بشرط عند التوبة عند المعتزلة ، وبشرط عدم العفو عند الأشاعرة .

/خ43