الآية 40 وقوله تعالى : { إن الذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها } هذا قد ذكرنا في ما تقدم{[8337]} .
وقوله تعالى : { لا تفتّح لهم أبواب السماء } قال بعضهم : يعني بأبواب السماء أبواب الجنان ، لأن الجنان تكون في السماء ، فسمّى أبواب السماء لما الجنان فيها . ألا ترى أنه قال : { وفي السماء رزقكم وما توعدون } ؟ [ الذاريات : 22 ] وما يوعد لنا هو الجنة .
ثم أخبر أنها في السماء ؛ ألا ترى أنه قال : { ولا يدخلون الجنة } أيضا ؟
وقال آخرون : { أبواب السماء } هي{[8338]} أبواب السماء ؛ وذلك أن أعمال المؤمنين ترفع إلى السماء ، وتصعد{[8339]} إليها أرواحهم ؛ وأعمال الكفرة وأرواحهم ترد إلى أسفل السافلين كقوله تعالى : { إليه يصعد الكلم الطّيّب والعمل الصالح يرفعه } [ فاطر : 10 ] وقال في الكافر : { ثم رددناه أسفل سافلين } { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } [ التين : 5و6 ] فإذا كانت أعمال المؤمنين وأرواحهم ترفع إلى السماء ، وتصعد إليها أخبر أنه لا تفتح للكافرين{[8340]} أبواب السماء ولا لأعمالهم ، ولكن ترد إلى السّجّين .
وأمكن أن يكون على التمثيل ، ليس على تحقيق السماء ، ولكن ذكر السماء لما أن السماء هي مكان الطّيبات من الأشياء وقرارها ، لا مكان الخبائث والأقذار ، والأرض هي مكان ذلك ، وأعمال الكفرة خبيثة ، فكنّى عن أعمالهم الخبيثة بالأرض [ التي ]{[8341]} هي معدن الخبائث والأنجاس ، وكنّى عن أعمال المؤمنين الطّيّبة بالسماء ، وهو كما ضرب مثل الإيمان بالشجرة{[8342]} الطّيبة الثابتة { وفرعها في السماء } [ إبراهيم : 24 ] وضرب مثل الكفر{[8343]} بالشجرة الخبيثة المجتثّة { من فوق الأرض } [ إبراهيم : 26 ] ليس أن يكون قوله تعالى : { وفرعها في السماء } [ إبراهيم : 24 ] على تحقيق السماء ، ولكن على الوصف بالطّيب والقبول ، فعلى ذلك الأول .
وقوله تعالى : { لا تفتح لهم أبواب السماء } لا يستقيم مثله على الابتداء إلا على نوازل تسبق . خرج ذلك جوابا لها نحو قوله تعالى : { لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى } الآية [ البقرة : 111 ] أو أن ذكروا أعمال أنفسهم أنهم يعملون كذا ، فقال : { لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة } .
فإن قيل : كيف خوّفهم بما ذكر من سد الأبواب عليهم ؟ وجعل لهم مهادا وغواشي ، وهم لا يؤمنون بذلك كله ، كيف خوّفوا به ؟ قيل : المرء إذا خوّف بشيء ، فإنه يخاف ، ويهاب{[8344]} ذلك ، وإن لم يتيقّن بذلك ، ولا تحقق عنده ما خوّف به حتى يستعدّ لذلك ، ويتهيأ ، وإن كان على شك من ذلك وظن .
فعلى ذلك هؤلاء خوّفوا بالنار وأنواع العذاب ، وإن كانوا شاكّين في ذلك غير مصدقين لما يجوز أن يهابهم ذلك ، أو أن يخوّفهم بذلك المؤمنون{[8345]} كقوله تعالى : { واتقوا النار التي أعدّت للكافرين } [ آل عمران : 131 ] وقوله تعالى : { وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } [ الذاريات : 55 ] أو أن يكون التخويف لمن آمن منهم بالبعث لأن منهم من قد آمن بالبعث والجزاء والثواب .
وقوله تعالى : { ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط } قال بعضهم : حتى تلج البعيرة في خرق الإبرة ، وقال ابن عباس رضي الله عنه حتى يدخل الجمل الذي يشد به السفينة في خرق الإبرة ، وقال أبو عوسجة : يعني خرق الإبرة أو المسلة ، والجمل الجبل ، والخياط الإبرة أو المسلّة . وقال ابن عباس رضي الله عنه : ليس بالجمل ذي{[8346]} القوائم يعني القلس ، وقال ابن مسعود ، هو الجمل ذو القوائم الأربع ، والله أعلم بما أراد .
وقوله تعالى : { وكذلك نجزي المجرمين } أي كذلك نجزي كل مجرم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.