النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَٱسۡتَكۡبَرُواْ عَنۡهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمۡ أَبۡوَٰبُ ٱلسَّمَآءِ وَلَا يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلۡجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلۡخِيَاطِۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (40)

قوله عز وجل : { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بئَايَاتِِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء } فيه خمسة أقاويل :

أحدها : أي لا تفتح لأرواحهم لأنها تفتح لروح الكافر وتفتح لروح المؤمن ، قاله ابن عباس ، والسدي .

والثاني : لا تفتح لدعائهم ، قاله الحسن .

والثالث{[1077]} : لا تفتح لأعمالهم ، قاله مجاهد ، وإبراهيم .

والرابع : لا تفتح لهم أبواب السماء لدخول الجنة لأن الجنة في السماء ، وهذا قول بعض المتأخرين .

والخامس : لا تفتح لهم أبواب السماء لنزول الرحمة عليهم{[1078]} ، قاله ابن بحر .

{ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يِلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ } فيه قولان :

أحدهما : سم الخياط : ثقب الإبرة ، قاله ابن عباس ، الحسن ، ومجاهد ، وعكرمة ، والسدي .

والثاني : أن سم الخياط هو السم القاتل الداخل في مسام الجسد أي ثقبه{[1079]} .

وفي { الْجَمَلِ } قراءتان :

إحداهما : وعليها الجمهور ، الجَمَل بفتح الجيم وتخفيف الميم وهو ذو القوائم الأربع .

والثانية الجُمَّل بضم الجيم وتشديد الميم وهو القلس الغليظ ، وهذه قراءة سعيد بن جبير ، وإحدى قراءتي ابن عباس ، وكان ابن عباس يتأول أنه حبل السفينة .

ومعنى الكلام أنهم لا يدخلون الجنة أبداً كما لا يدخل الجمل في سم الخياط أبداً ، وضرب المثل بهذا أبلغ في إياسهم من إرسال الكلام وإطلاقه في النفي ، والعرب تضرب هذا للمبالغة ، قال الشاعر :

إذا شاب الغراب أتيت أهلي *** وعاد القار كاللبن الحليب{[1080]}


[1077]:سقط من ق.
[1078]:في ق: لا تفتح لاوراقهم وأعمالهم، قاله ابن جريج. وخير من هذه الأقوال كلها ما ورد في حديث عن البراء بن عازب وفيه عن قبض روح الكافر: ويخرج منها ريح كأنتن جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون فلان بن فلان يا قبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون فلا يفتح لهم، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تفتح لهم أبواب السماء" الآية. رواه أحمد وأبو داود باسناد حسن. وذكره القرطبي في التذكرة.
[1079]:في الأصول: الحفيه ولا معنى له.
[1080]:سقط من ق.