فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَٱسۡتَكۡبَرُواْ عَنۡهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمۡ أَبۡوَٰبُ ٱلسَّمَآءِ وَلَا يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلۡجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلۡخِيَاطِۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (40)

{ إن الذين كذبوا بآياتنا } ولم يصدقوا بها ولم يتبعوا رسلنا { واستكبروا عنها } أي عن الإيمان والتصديق بها { لا تفتح لهم أبواب السماء } يعني أنها لا تفتح لأرواحهم إذا ماتوا وهي تفتح لأرواح المؤمنين ويصعد بروحهم إلى السماء السابعة ، وقد دل على هذا المعنى وأنه المراد من الآية ما جاء في الأحاديث الصحيحة أن الملائكة إذا انتهوا بروح الكفار إلى السماء الدنيا يستفتحون فلا تفتح لهم أبواب السماء ، وقيل لا تفتح أبواب السماء لأدعيتهم إذا دعوا قاله مجاهد والنخعي ، وقيل لأعمالهم أي لا تقبل بل ترد عليهم فيضرب بها في وجوههم .

وقيل المعنى أنها لا تفتح لهم أبواب الجنة يدخلونها لأن الجنة في السماء وعلى هذا العطف بجملة ولا يدخلون الجنة الآتية يكون من عطف التفسير ، ولا مانع من حمل الآية على ما يعم الأرواح والدعاء والأعمال ، ولا ينافيه ورود ما ورد من أنها لا تفتح أبواب السماء لواحد من هذه فإن ذلك لا يدل على عدم فتحها لغيره مما يدخل تحت العموم الآية .

{ ولا يدخلون الجنة } أي هؤلاء الكفار المكذبون المستكبرون لا يدخلونها بحال من الأحوال ولهذا علقه بالمستحيل وقال { حتى يلج الجمل في سم الخياط } الولوج الدخول بشدة وخص الجمل بالذكر من بين سائر الحيوانات لكونه يضرب به المثل في كبر الذات وعظم الجرم عند العرب ، فجسمه من أعظم الأجسام ، وخص سم الخياط وهو ثقب الإبرة بالذكر لكونه غاية في الضيق وأضيق المنافذ ، وهو لا يحل فيه أبدا فثبت أن الموقوف على المحال محال ، فوجب بهذا الاعتبار أن دخول الكفار الجنة مأيوس منه قطعا ، والجمل الذكر من الإبل ، والجمع جمال واجمال وجمالات ، وإنما يسمى جملا إذا أربع .

وقرأ ابن عباس الجمل بضم الجيم وفتح الميم مشددة وهو حبل السفينة الذي قال له القلس وهو حبال مجموعة قاله ثعلب ، وقيل الحبل الغليظ من القنب ، وقيل الحبل الذي يصعد به في النخل .

وقرأ ابن مسعود حتى يلج الجمل الأصغر ، وقرئ سم بالحركات الثلاث لكن السبعة على الفتح والضم لغة لأهل العالية والكسر لغة لبني تميم وجمعه سمام ، وكل ثقب ضيق فهو سم ، وقيل كل ثقب في البدن أو أنف أو أذن فهو سم وجمعه سموم ، والسم القاتل سمي بذلك للطفه وتأثيره في مسام البدن حتى يصل إلى القلب ، وهو في الأصل مصدر ثم أريد به معنى الفاعل لدخوله باطن البدن والسم ثقب لطيف ومنه ثقب الإبرة .

والخياط ما يخاط به يقال خياط ومخيط قاله الفراء ، والمراد به الإبرة في هذه الآية ، قال بعض أهل المعاني : لما علق الله دخلوهم الجنة بولوج الجمل في سم الخيط وهو خرق الإبرة كان ذلك نفيا لدخولهم الجنة على التأييد ، وذلك أن العرب إذا علقت ما يجوز كونه بما لا يجوز كونه استحال كون ذلك الجائز ، وهذا كقولك لا آتيك حتى يشيب الغراب ويبيض القار .

{ وكذلك نجزي المجرمين } أي مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزي جنس من أجرم وقد تقدم تحقيقه .