فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَٱسۡتَكۡبَرُواْ عَنۡهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمۡ أَبۡوَٰبُ ٱلسَّمَآءِ وَلَا يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلۡجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلۡخِيَاطِۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (40)

قوله : { لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أبواب السماء } قرأ ابن عباس ، وحمزة ، والكسائي بفتح التحتية ، لكون تأنيث الجمع غير حقيقي فجاز تذكيره . وقرأ الباقون بالفوقية على التأنيث . وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، تفتح بالتخفيف . وقرأ الباقون بالتشديد ، والمعنى : أنها لا تفتح أبواب السماء لأرواحهم إذا ماتوا . وقد دلّ على هذا المعنى ، وأنه المراد من الآية ما جاء في الأحاديث الصحيحة ، أن الملائكة إذا انتهوا بروح الكافر إلى السماء الدنيا يستفتحون فلا تفتح لهم أبواب السماء . وقيل : لا تفتح أبواب السماء لأدعيتهم إذا دعوا ، قاله مجاهد والنخعي . وقيل لأعمالهم : أي لا تقبل ، بل تردّ عليهم فيضرب بها في وجوههم . وقيل المعنى : أنها لا تفتح لهم أبواب الجنة يدخلونها ، لأن الجنة في السماء ، فيكون على هذا القول العطف لجملة { وَلاَ يَدْخُلُونَ الجنة } من عطف التفسير ، ولا مانع من حمل الآية على ما يعم الأرواح والدعاء والأعمال ، ولا ينافيه ورود ما ورد من أنها لا تفتح أبواب السماء لواحد من هذه ، فإن ذلك لا يدل على فتحها لغيره ، مما يدخل تحت عموم الآية .

قوله : { وَلاَ يَدْخُلُونَ الجنة حتى يَلِجَ الجمل فِي سَمّ الخياط } أي أن هؤلاء الكفار المكذبين المستكبرين ، لا يدخلون الجنة بحال من الأحوال ، ولهذا علقه بالمستحيل ، فقال : { حتى يَلِجَ الجمل فِي سَمّ الخياط } وهو لا يلج أبداً ، وخص الجمل بالذكر ، لكونه يضرب به المثل في كبر الذات ، وخص سمّ الخياط ، وهو ثقب الإبرة بالذكر ، لكونه غاية في الضيق . والجمل : الذكر من الإبل ، والجمع جمال وأجمال وجمالات . وإنما يسمى جملاً إذا أربع . وقرأ ابن عباس «الجُمَّل » بضم الجيم وفتح الميم مشدّدة . وهو حبل السفينة الذي يقال له القلس . وهو حبال مجموعة قاله ثعلب . وقيل الحبل الغليظ من القنب . وقيل الحبل الذي يصعد به في النخل . وقرأ سعيد بن جبير «الجُمَل » بضم الجيم وتخفيف الميم : وهو القلس أيضاً . وقرأ أبو السماك «الجُمْل » بضم الجيم وسكون الميم . وقرئ أيضاً بضمهما . وقرأ عبد الله بن مسعود : «حتى يلج الجمل الأصغر في سم الخياط » وقرئ { فِي سَمّ } بالحركات الثلاث . والسم : كل ثقب لطيف ، ومنه ثقب الإبرة . والخياط ما يخاط به يقال خياط ومخيط . { وكذلك نَجْزِى المجرمين } أي مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزي المجرمين : أي جنس من أجرم وقد تقدّم تحقيقه .

/خ43