المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَوَرِثَ سُلَيۡمَٰنُ دَاوُۥدَۖ وَقَالَ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمۡنَا مَنطِقَ ٱلطَّيۡرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيۡءٍۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡمُبِينُ} (16)

{ وورث سليمان } ملكه ومنزلته من النبوءة بمعنى صار إليه ذلك بعد موت أبيه فسمي ميراثاً تجوزاً ، وهذا نحو قولهم : العلماء ورثة الأنبياء ، وحقيقة الميراث في المال والأنبياء لا تورث أموالهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة » ، ويحتمل قوله عليه السلام «إنا معشر الأنبياء لا نورث »{[1]} أن يريد به أن ذلك من فعل الأنبياء وسيرتهم وإن كان فيهم من ورث ماله كزكرياء على أشهر الأقوال فيه ، وهذا كما تقول : إنا معشر المسلمين إنما شغلنا العبادة ، فالمراد أن ذلك فيه فعل الأكثر ، ومنه ما حكى سيبويه أنا معشر العرب أقرى الناس لضيف . وقوله { علمنا منطق الطير } إخبار بنعمة الله عندهما في أن فهمهما من أصوات الطير المعاني التي نفوسها ، وهذا نحو ما كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يسمع أصوات الحجارة بالسلام وسليمان عليه السلام حكى عن البلبل أنه قال : أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء إلى كثير من هذا النوع وقال قتادة والشعبي وغيره : إنما كان هذا الأمر في الطير خاصة والنملة طائر قد يوجد له الأجنحة ، قال الشعبي : وكذلك كانت هذه القائلة ذات جناحين ، وقالت فرقة : بل كان في جميع الحيوان وإنما ذكر الطير لأنه كان جنداً من جنود سليمان يحتاجه في التظليل عن الشمس وفي البعث في الأمور فخص لكثرة مداخلته ولأن أمر سائر الحيوان نادر وغير متردد أمْر الطير ، والنمل حيوان فطن قويّ شمام جداً يدخر القرى ويشق الحب بقطعتين لئلا ينبت ويشق الكزبرة بأربع قطع لأنها تنبت إذا قسمت شقين ويأكل في عامه نصف ما جمع ، ويستبقي سائره عُدَّه ، وقوله { وأوتينا من كل شيء } معناه يصلح لنا ونتمناه وليست على العموم ، ثم ردد شكر فضل الله تعالى .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟