قوله : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ } ، قال الحسن : المال لأن النبوة عطية مبتدأة لا تورث{[38430]} ، وقال غيره : بل النبوة والعلم والملك دون سائر أولاده{[38431]} ، ولو تأمل الحسن لعلم أن المال لا يورث من الأنبياء ، لقوله عليه السلام{[38432]} : «نَحْنُ مَعَاشِرَ الأنْبِياءِ لا نُورَث مَا تَرَكْنَاهُ صدقة »{[38433]} ، وأيضاً فإن المال إذا ورثه الولد فهو أيضاً عطية مبتدأة من الله تعالى ، ولذلك يرثه الولد إذا كان مؤمناً ، ولا يرث إذا كان كافراً أو قاتلاً ، ولا كذلك{[38434]} النبوة ، لأن الموت{[38435]} لا يكون سبباً لنبوة الولد{[38436]} ، وكان لداود تسعة عشر ابناً ، وأعطي سليمان ما أعطي داود من الملك ، وزيد له تسخير الريح وتسخير الشياطين ، قال مقاتل : كان سليمان أعظم ملكاً من داود وأقضى منه ، وكان داود أشد تعبداً من سليمان ، وكان سليمان شاكراً لنعم الله{[38437]} .
{ وَقَالَ يا أيها الناس عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطير } ، يعني صوته ، سمي صوت الطير منطقاً ، لحصول الفهم منه كما يفهم من كلام الناس ، روي عن كعب قال : صاح ورشان{[38438]} عند سليمان عليه السلام{[38439]} ، فقال : أتدرون ما يقول ؟ قالوا لا ، قال : إنه يقول : لدوا للموت ، وابنوا{[38440]} للخراب ، وصاحت فاختة{[38441]} ، فقال : أتدرون ما تقول ؟ قالوا لا ، قال فإنها تقول : ليت ذا الخلق لم يخلقوا ، وصاح{[38442]} الطاووس{[38443]} فقال : أتدرون ما يقول ؟ قالوا لا ، قال : فإنه يقول : كما تدين تدان ، قال : وصاح هدهد ، فقال : أتدرون ما يقول ؟ قالوا لا ، قال : فإنه يقول : استغفروا الله يا مذنبين ، وصاحت طيطوى{[38444]} ، فقال أتدرون ما تقول ؟ قالوا لا ، قال فإنه يقول : كل حي ميت ، وكل جديد بال وصاح خطاف{[38445]} ، فقال : أتدرون ما يقول ؟ قالوا لا ، قال : فإنه يقول : قدّموا خيرًا تجدوه ، وهدرت حمامة فقال : أتدرون ما تقول ؟ قالوا : لا ، قال : فإنها تقول : سبحان ربي الأعلى ( ملء سمائه وأرضه ، وصاح قمري{[38446]} ، فقال : أتدرون ما يقول ؟ قالوا لا ، قال : فإنه يقول : سبحان ربي الأعلى ){[38447]} ، قال : والغراب يدعو{[38448]} على العشَّار ، والحدأة تقول :
{ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [ القصص : 88 ] ، والقطاة{[38449]} تقول : من سكت سلم ، والببغاء{[38450]} : ويلٌ لِمَنِ الدُّنْيَا هَمُّهُ ، والضفدع يقول : سبحان ربِّي القدُّوس ، والبازي{[38451]} يقول : سبحان ربي وبحمده{[38452]} . وعن مكحول{[38453]} قال : صاح دُرَّاج{[38454]} عند سليمان ، فقال : أتدرون ما يقول ؟ قالوا لا ، قال : فإنه يقول : { الرحمن عَلَى العرش استوى }{[38455]} [ طه : 5 ] .
قوله : { وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ } تؤتى الأنبياء{[38456]} والملوك ، قال ابن عباس : من أمر الدنيا والآخرة{[38457]} . وقال مقاتل : يعني النبوة والملك وتسخير الجن والشياطين والريح{[38458]} { إِنَّ هذا لَهُوَ الفضل المبين } ، والمراد بقوله : { وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ } كثرة ما أوتي ، لأن كثرة المشاركة سبب لجواز الاستعارة ، فلا جرم يطلق لفظ الكل على الكثرة ، كقوله { وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ }{[38459]} [ النمل : 23 ] وقوله : { إِنَّ هذا لَهُوَ الفضل المبين } ، أي : الزيادة الظاهرة على ما أعطي غيرنا ، روي أن سليمان أعطي ملك مشارق الأرض ومغاربها ، فملك سبعمائة ( سنة ){[38460]} وستة أشهر ، ملك جميع أهل{[38461]} الدنيا من الجن والإنس والدواب والطير والسباع ، وأعطي على ذلك منطق كل شيء ، وفي زمانه صنعت الصنائع العجيبة{[38462]} .
فقوله : { إِنَّ هذا لَهُوَ الفضل المبين } تقرير لقوله : { الحمد لِلَّهِ الذي فَضَّلَنَا } والمقصود منه : الشكر والمحمدة ، كما قال عليه السلام{[38463]} : «أَنَّا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ ولا فَخْرَ »{[38464]} .
فإن قيل : كيف قال{[38465]} «عُلِّمنا » و «أُوتِينَا » ، وهو كلام المتكبر ؟ فالجواب من وجهين ،
والثاني : أن هذه النون يقال لها نون الواحد المطاع ، وكان ملكاً مطاعاً{[38466]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.