الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَوَرِثَ سُلَيۡمَٰنُ دَاوُۥدَۖ وَقَالَ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمۡنَا مَنطِقَ ٱلطَّيۡرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيۡءٍۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡمُبِينُ} (16)

{ وَوَرِثَ سليمان دَاوُدَ } [ النمل : 16 ] أي : ورثَ مُلكَه وَمنزِلَتَهُ من النبوءة بعدَ موتِ أبيهِ ، وقوله : { عُلِّمنَا مَنْطِقَ الطَّيرِ } [ النمل : 16 ] إخبارٌ بنعمةِ اللّه تعالى عندهما في اَّنَّ فَهَّمهُمَا مِنْ أصواتِ الطير المعانيَ التي في نفوسِها ، وهذا نحو ما كَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْمَعُ أَصْوَاتَ الْحِجَارَةِ بالسَّلاَمِ عَلَيْهِ وغير ذلك حسب ما هو في الآثار ، قال قَتَادَةُ وغيره : إنَّمَا كان هذا الأمرُ في الطيرِ خاصةً والنملةُ طائِرٌ إذ قد يوجَدُ لَهَا جَنَاحَان ، وقالت فُرقَةٌ : بل كَانَ ذَلِكَ في جَمِيعِ الحيَوانِ وإنما خَصِ الطيرَ لأْنَّه كان جُنداً من جنودِ سليمان يحتاجُهُ في التَّظلِيلِ من الشَّمس ، وفي البَعْثِ في الأمور . والنَّمْلُ حيوانُ فَطِنٌ قويٌّ شَمَّامٌ جِدّاً يدَّخِرُ ويتخذُ القرى وَيَشُقُّ الحَبَّ بقطعتينِ لِئَلاَّ يُنْبِتَ ، ويشُقَّ الكزبرةَ بأربعِ قطعٍ لأَنها تُنْبِت إذاً قُسِّمَتْ شقينِ ، ويأكلُ في عامِهِ نصفَ مَا جمعَ ، ويَسْتَقِي سائِرَهُ عُدَّةً ، قال ابن العربي في «أحكامه » : ولا خلافَ عندَ العُلَمَاءِ في أَنَّ الحيواناتِ كلَّها لَهَا أفهامٌ وعقولٌ ، وقد قال الشافعيُّ : الحمَامُ أعقلُ الطَّيرِ انتهى .

وقوله : { وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ } [ النمل : 16 ] معناه : يَصْلُحُ لنا ونَتَمَنَّاهُ ولَيستْ على العموم .