الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَوَرِثَ سُلَيۡمَٰنُ دَاوُۥدَۖ وَقَالَ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمۡنَا مَنطِقَ ٱلطَّيۡرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيۡءٍۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡمُبِينُ} (16)

{ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } نبوّته وعلمه وملكه دون سائر أولاده ، وكان لداود ( عليه السلام ) تسعة عشر ابناً .

قال مقاتل : كان سليمان أعظم مُلْكاً من داود وأقضى منه ، وكان داود أشدّ تعبّداً من سليمان ( عليهما السلام ) .

{ وَقَالَ } سليمان شاكراً لنعم الله سبحانه وتعالى عليه { يأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ } جعل ذلك من الطير كمنطق بني آدم إذ فهمه عنها { وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ } .

قال مقاتل في هذه الآية : كان سليمان ( عليه السلام ) جالساً إذ مرَّ به طائر يطوف فقال لجلسائه : هل تدرون ما يقول الطائر الذي مرَّ بنا ؟ قالوا : أنت أعلم ، فقال سليمان : إنّه قال لي : السلام عليك أيّها الملك المسلّط على بني إسرائيل ، أعطاك الله سبحانه وتعالى الكرامة وأظهرك على عدوّك ، إنّي منطلق الى فروخي ثم أمرّ بك الثانية ، وإنّه سيرجع إلينا الثانية فانظروا إلى رجوعه .

قال : فنظر القوم طويلاً إذ مرَّ بهم فقال : السلام عليك أيّها الملك إن شئت أن تأذن لي كيما أكسب على فروخي حتى يشبّوا ثم آتيك فافعل بي ما شئت ، فأخبرهم سليمان بما قال وأذن له .

وقال فرقد السخي : مرَّ سليمان على بلبل فوق شجرة يحرّك رأسه ويميل ذَنَبه فقال لأصحابه : أتدرون ما يقول هذا البلبل ؟ قالوا : الله ونبيُّه أعلم ، قال : يقول : أكلتُ نصف تمرة فعَلى الدُنيا العَفا .

وأخبرني الحسين بن محمد بن الحسن العَدل قال : حدّثنا عبيد الله بن محمد بن شنبة وأحمد ابن جعفر بن حمدان قالا : حدّثنا الفضل بن العباس الرازي قال : حدّثنا أبو عبيد قال : حدّثنا موسى ابن إبراهيم قال : حدّثنا عباد بن إبراهيم عن الكلبي عن رجل عن كعب قال : صاحت ورشان عند سليمان بن داود ( عليه السلام ) فقال : أتدرون ما تقول ؟

قالوا : لا .

قال : فإنّها تقول : ليت ذا الخلق لم يخلقوا .

وصاح طاوُس عند سليمان ( عليه السلام ) فقال : أتدرون ما يقول ؟

قالوا : لا .

قال : فإنّه يقول : مَن لا يَرحم لا يُرحَم .

وصاح صرد عند سليمان فقال : أتدرون ما يقول ؟

قالوا : لا .

قال : فإنّه يقول : استغفروا اللّه يا مذنبين ، فمن ثَمَّ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله .

قال : فصاحت طيطوى عند سليمان ( عليه السلام ) فقال : أتدرون ما تقول ؟

قالوا : لا .

قال : فإنّها تقول : كلّ حىّ ميّت ، وكلّ جديد بال .

وصاح خطّاف عند سليمان ( عليه السلام ) فقال : أتدرون ما يقول ؟

قالوا : لا .

قال : فإنّه تقول : قدّموا خيراً تجدوه ، فمن ثَمَّ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله .

وهدرت حمامة عند سليمان ( عليه السلام ) فقال : أتدرون ما تقول هذه الحمامة ؟

قالوا : لا .

قال : فإنها تقول : سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه .

وصاح قُمريّ عند سليمان ( عليه السلام ) فقال : أتدرون ما يقول ؟

قالوا : لا .

قال : فإنّه يقول : سبحان ربّي الأعلى ، والغراب يدعو على العشّار ، والحدأة تقول : كلّ شيء هالك إلاّ الله . والقطاة تقول : من سكت سلم ، والببغاء تقول : ويل لمن الدنيا همّه ، والضفدع يقول : سبحان ربّي القدّوس ، والبازي يقول : سبحان ربي وبحمده ، والضفدعة تقول : سبحان المذكور بكلّ مكان .

وأخبرنا الحسين بن محمد قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال : حدّثنا الفضل بن العباس بن مهران قال : حدّثنا أبو عبيد قال : حدّثنا موسى بن إبراهيم قال : أخبرنا إسماعيل عن عياش عن زرّ عن مكحول قال : صاح درّاج عند سليمان بن داود ( عليه السلام ) فقال : أتدرون ما يقول ؟

قالوا : لا .

قال فإنّه يقول : الرَّحْمن على العرش استوى .

وبإسناده عن موسى بن إبراهيم قال : أخبرنا صالح الهروي عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الديك إذا صاح يقول : اذكروا الله يا غافلين " .

وروى جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جدّه عن الحسن بن علي قال : إذا صاح النسر قال : يابن آدم عش ما شئت آخرهُ الموت ، وإذا صاح العقاب قال : في البعد من الناس أُنس ، وإذا صاح القبّر قال : الهي العن مبغضي آل محمد ، وإذا صاح الخطّاف قرأ : الحمد لله ربّ العالمين ، يمدّ الضالين كما يمد للقارئ .