تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَوَرِثَ سُلَيۡمَٰنُ دَاوُۥدَۖ وَقَالَ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمۡنَا مَنطِقَ ٱلطَّيۡرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيۡءٍۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡمُبِينُ} (16)

[ الآية16 ] وقوله تعالى : { وورث سليمان داوود } قال أهل التأويل : ورث النبوة والحكم ، والوارث هو الباقي بعد هلاك الآخر وفنائه كقوله : { إنا نحن نرث الأرض ومن عليها } [ مريم : 40 ] أي نبقى بعد هلاك أهلها وفنائهم وقوله : { وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون } [ الحجر : 23 ] أي الباقون بعد فنائهم .

إلا أنه ورث شيئا ، لم يكن من قبل . وكذلك قوله : { وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم } الآية [ الأحزاب : 27 ] أي أبقاكم ، وترككم في أرضهم وديارهم ، وقوله : { وتلك الجنة التي أورثتموها } [ الزخرف : 72 ] أي أبقيتم فيها . وأمثال ذلك كله راجع إلى البقاء .

فعلى ذلك قوله : { وورث سليمان داوود } أي بقي في ملكه ونبوته . وعلى ذلك ما سأل زكريا ربه من الولد حين{[14943]} قال : { فهب لي من لدنك وليا } { يرثني ويرث من آل يعقوب } [ مريم : 5 و6 ] . لا يحتمل أن يسأل ربه ولدا ، يرث ماله من بعد وفاته . ولكن كأنه سأل ربه الولد ليبقى في نبوته ورسالته بعد وفاته لتبقى النبوة في نسله ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء } لا يحتمل أن يذكر هذا ، صلوات الله عليه ، على الافتخار والتياهة ، ولكن ذكر فضل الله ونعمه التي أعطاه ، ومنَّ عليه ، كقوله : { وأما بنعمة ربك فحدث } [ الضحى : 11 ] .

ألا ترى أنه قال : { إن هذا لهو الفضل المبين } ؟

ثم قوله : { وأوتينا من كل شيء } لا يحتمل كل شيء [ لأنهم لم يؤتوا كل شيء ]{[14944]} حتى لم يبق شيء ، إنما أتوا شيئا دون شيء ، ولكن كأنه قال : وأوتينا من كل شيء سألناه أن يؤتينا ، ويحتمل أن يكون { وأوتينا من كل شيء } مما يؤتى الأنبياء والملوك وما يحتاج إليه ، والله أعلم .


[14943]:- في الأصل وم: حيث.
[14944]:- من م، ساقطة من الأصل.