المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَهُمۡ فَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَأَغۡرَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَسَوۡفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ} (14)

{ من } متعلقة { بأخذنا } التقدير : وأخذنا من الذين قالوا إنّا نصارى ميثاقهم ، ويحتمل أن يكون قوله { ومن } معطوف على قوله { خائنة منهم } [ المائدة : 13 ] ، ويكون قوله { أخذنا ميثاقهم } ابتداء خبر عنهم ، والأول أرجح . وعلق كونهم نصارى بقولهم ودعواهم ، من حيث هو اسم شرعي يقتضي نصر دين الله ، وسموا به أنفسهم دون استحقاق ولا مشابهة بين فعلهم وقولهم ، فجاءت هذه العبارة موبخة لهم مزحزحة عن طريق نصر دين الله وأنبيائه ، وقوله تعالى : { فأغرينا بينهم } معناه أثبتناها بينهم وألصقناها ، والإغراء مأخوذ من الغراء الذي يلصق به ، والضمير في { بينهم } يحتمل أن يعود على اليهود والنصارى لأن العداوة بينهم ، موجودة مستمرة ، ويحتمل أن يعود على النصارى فقط لأنها أمة متقاتلة بينها الفتن إلى يوم القيامة ، ثم توعدهم الله تعالى بعقاب الآخرة إذ إنباؤهم بصنعهم إنما هو تقرير وتوبيخ متقدم للعذاب ، إذ صنعهم كفر يوجب الخلود في النار .