قوله تعالى : { وَمِنَ الذين قَالُواْ إِنَّا نصارى }[ المائدة :14 ] .
( مِنْ ) : متعلِّقة ب { أَخَذْنَا } ، التقديرُ : وأخذْنَا مِنَ الذين قالُوا : إنَّا نصارى ميثاقَهُمْ ، ويحتملُ أنْ تكون معطوفةً على { خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ } ، والأولُ أرجَحُ ، وعلَّق قولهم : ( نصارى ) بقولهم ( ودعواهم ) ، مِنْ حيث هو اسمٌ شرعيٌّ ، يقتضي نَصْرَ دينِ اللَّه ، وسَمَّوْا به أنفُسَهُمْ دُون استحقاق .
وقوله سبحانه : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العداوة } أي : أثبتْنَاها بيْنَهم ، وألْصَقْنَاها ، والإغْرَاءُ : مأخوذ من الغِرَاءِ الذي يُلْصَقُ به ، وقال البُخَارِيُّ : الإغراءُ : التسليط ، انتهى .
والضمير في { بَيْنَهُمْ } يحتملُ أنْ يعود على اليَهُودِ ، والنصارى ، لأنَّ العداوةَ بَيْنهم موجودةٌ مستمرَّةٌ ، ويحتملُ أن يعود على النصارى فقطْ ، لأنها أُمَّة متقاتِلَةٌ بينها الفِتَنُ إلى يَوْم القيامة ، ثم توعَّدهم بعذابِ الآخرة ، إذْ صُنْعهم كُفْرٌ يوجب الخُلُود في النار .
واعلَمْ( رحمك اللَّه ) ، أنه قَدْ جاءَتْ آثارٌ صحيحةٌ في ذَمِّ الشحناءِ والتباغُضِ ، والهِجْرَانِ لغَيْر موجِبٍ شرعيٍّ ، ففي «صحيح مُسْلِمٍ » ، عن أبي هُرَيْرة ، أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : ( تُفْتَحُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الاِثْنَيْنَ وَيَوْمَ الخَمِيسِ ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً إلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيه شَحْنَاءُ ، فَيُقَالُ : انظروا هَذَيْنِ حتى يَصْطَلِحَا ، انظروا هَذَيْنِ حتى يَصْطَلِحَا ) ، وفي روايةٍ : ( تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِي كُلِّ خَمِيسٍ واثنين ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ لِكُلِّ امرئ لاَ يُشْرِكُ باللَّهِ شَيْئاً ) الحديث ، انتهى .
وروى ابنُ المُبَارَكِ في «رقائقه » بسنده ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قال : ( لاَ يَحِلُّ لامْرِئٍ مُسْلِمٍ أَنْ يُهَاجِرَ مُسْلِماً فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ ، فَإنَّهُمَا نَاكِبَانِ عَنِ الْحَقِّ مَا دَامَا على صِرَامِهِمَا ، فَأَوَّلُهُمَا فَيْئاً يَكُونُ سَبْقُهُ بِالفَيْءِ كَفَّارَةً لَهُ ، وَإنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَقْبَلْ ، وَرَدَّ عَلَيْهِ سَلاَمَهُ ، رَدَّتْ عَلَيْهِ المَلاَئِكَةُ ، وَرَدَّتْ عَلَى الآخَرِ الشَّيَاطِينُ ، وإذَا مَاتَا على صِرَامِهِمَا ، لَمْ يَدْخُلاَ الجَنَّةَ ) ، أُرَاهُ قَالَ : أَبَداً ، انتهى . وسنده جيِّد ، ونصَّه قال ابن المبارك : أخبرنا شعبةُ عَنْ يزيدَ الدرِّشْكِ ، عن مُعَاذَةَ العَدَوِيَّةِ ، قَالَتْ : سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عامرٍ يقول : سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فذكر الحديثَ .
وقوله : ( لَمْ يدخُلاَ الجَنَّةَ ) : ليس على ظاهره ، أيْ : لم يدخُلاَ الجَنَّة أبداً ، حتى يقتصَّ لبعضهم من بعض ، أو يقع العفو ، أو تحلَّ الشفاعة ، حَسْبما هو معلومٌ في صحيح الآثار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.