فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَهُمۡ فَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَأَغۡرَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَسَوۡفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ} (14)

قوله : { وَمِنَ الذين قَالُواْ إِنَّا نصارى أَخَذْنَا ميثاقهم } أي : في التوحيد والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به . قال الأخفش : هو كقولك أخذت من زيد ثوبه ودرهمه ، فرتبة الذين بعد أخذنا . وقال الكوفيون بخلافه ؛ وقيل إن الضمير في قوله : { ميثاقهم } راجع إلى بني إسرائيل : أي أخذنا من النصارى مثل ميثاق المذكورين قبلهم من بني إسرائيل ، وقال : { مِنَ الذين قَالُواْ إِنَّا نصارى } ولم يقل ، ومن النصارى ، للإيذان بأنهم كاذبون في دعوى النصرانية وأنهم أنصار الله .

قوله : { فَنَسُواْ حَظّاً مّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } أي : نسوا من الميثاق المأخوذ عليهم نصيباً وافراً عقب أخذه عليهم : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العداوة والبغضاء } أي : ألصقنا ذلك بهم ، مأخوذ من الغراء : وهو ما يلصق الشيء بالشيء كالصمغ وشبهه يقال : غرى بالشيء يغري غرياً بفتح الغين مقصوراً ، وغراء بكسرها ممدوداً ، أي أولع به حتى كأنه صار ملتصقاً به ، ومثل الإغراء التحرش ، وأغريت الكلب : أي أولعته بالصيد ، والمراد بقوله : { بَيْنَهُمْ } اليهود والنصارى ؛ لتقدم ذكرهم جميعاً ؛ وقيل : بين النصارى خاصة ، لأنهم أقرب مذكور ، وذلك لأنهم افترقوا إلى اليعقوبية والنسطورية والملكانية ، وكفر بعضهم بعضاً ، وتظاهروا بالعداوة في ذات بينهم . قال النحاس : وما أحسن ما قيل في معنى : { أَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العداوة والبغضاء } : أن الله عز وجل أمر بعداوة الكفار وإبغاضهم ، فكل فرقة مأمورة بعداوة صاحبتها وإبغاضها قوله : { وَسَوْفَ يُنَبّئُهُمُ الله بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } تهديد لهم : أي سيلقون جزاء نقض الميثاق .

/خ14