روي في الحديث عن زيد بن أسلم والشعبي وغيرهما ما معناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أهدى المقوقس مارية القبطية اتخذها سرية{[11179]} ، فلما كان في بعض الأيام وهو يوم حفصة بنت عمر ، وقيل بل كان في يوم عائشة ، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت حفصة فوجدها قد مرت إلى زيارة أبيها ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في جاريته فقال معها{[11180]} ، فجاءت حفصة فوجدتهما فأقامت خارج البيت حتى أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مارية وذهبت ، فدخلت حفصة غيرى متغيرة اللون فقالت : يا رسول الله أما كان في نسائك أهون عليك مني ؟ أفي بيتي وعلى فراشي ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم مترضياً لها : أيرضيك أن أحرمها قالت : نعم ، فقال : إني قد حرمتها . قال ابن عباس ، وقال مع ذلك والله لا أطؤها أبداً ، ثم قال لها : لا تخبري بهذا أحداً ، فمن قال إن ذلك كان في يوم عائشة ، قال استكتمها خوفاً من غضب عائشة وحسن عشرتها ، ومن قال : كان في يوم حفصة ، قال استكتمتها لنفس الأمر ، ثم إن حفصة رضي الله عنها قرعت الجدار الذي بينها وبين عائشة ، وأخبرتها لتسرها بالأمر ، ولم ترض إفشاءه إليها حرجاً واستكتمتها ، فأوحى الله بذلك إلى نبيه ، ونزلت الآية{[11181]} .
وروي عن عكرمة أن هذا نزل بسبب شريك التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم{[11182]} ، وذكر النقاش نحوه عن ابن عباس ، وروى عبد بن عمير عن عائشة أن هذا التحريم المذكور في الآية ، إنما هو بسبب شراب العسل الذي شربه صلى الله عليه وسلم عند زينب بنت جحش ، فتمالأت عائشة وحفصة وسودة على أن تقول له : من دنا منها ، أكلتَ مغافير ، والمغافير صمغ العرفط ، وهو حلو ثقيل الريح ، ففعلن ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ولكني شربت عسلاً » ، فقلن : جرست نحله العرفط ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا أشربه أبداً » وكان يكره أن توجد منه رائحة ثقيلة ، فدخل بعد ذلك على زينب ، فقالت : ألا نسقيك من ذلك العسل ؟ قال : «لا حاجة لي به » ، قالت عائشة : تقول سودة حين بلغها امتناعه والله لقد حرمتاه . قلت لها : اسكتي{[11183]} .
قال القاضي أبو محمد : والقول الأول إن الآية نزلت بسبب مارية أصح وأوضح ، وعليه تفقه الناس في الآية ، ومتى حرم رجل مالاً أو جارية دون أن يعتق و يشترط عتقاً أو نحو ذلك ، فليس تحريمه بشيء ، واختلف العلماء إذ حرم زوجته بأن يقول لها : أنت علي حرام ، والحلال علي حرام ، ولا يستثني زوجته ، فقال مالك رحمه الله : هي ثلاث في المدخول بها ، وينوي في غير المدخول بها فهو ما أراد من الواحدة أو الاثنين أو الثلاث ، وقال عبد الملك بن الماجشون : هي ثلاث في الوجهين ولا ينوي في شيء .
وروى ابن خويز منداد عن مالك : أنها واحدة بائنة في المدخول بها وغير المدخول بها ، وروي عن عبد العزيز بن الماجشون ، أنه كان يحملها على واحدة رجعية ، وقال غير واحد من أهل العلم : التحريم لا شيء ، وإنما عاتب الله رسوله صلى الله عليه وسلم فيه ودله على تحلة اليمين المبينة في المائدة لقوله : «قد حرمتها والله لا أطؤها أبداً » ، وقال مسروق : ما أبالي أحرمتها أو قصعة من ثريد . وكذلك قال الشعبي ليس التحريم بشيء ، قال تعالى : { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام }{[11184]} [ النحل : 116 ] وقال : { لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم }{[11185]} [ المائدة : 87 ] ، ومحرم زوجته مسم حراماً ما جعله حلالاً ، ومحرم ما أحل الله له ، وقال أبو بكر الصديق وعمر الفاروق وابن مسعود وابن عباس وعائشة وابن المسيب وعطاء وطاوس وسليمان بن يسار وابن جبير وقتادة وأبو ثور والأوزاعي والحسن وجماعة : «التحريم » يلزم فيه تكفير يمين بالله ، والتحلة إنما هي من جهة التحريم ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والله لا أطؤها » ، وقال أبو قلابة : التحريم ظهار ، وقال أبو حنيفة وسفيان والكوفيون : هو ما أراد من الطلاق ، فإن لم يرد بذلك طلاقاً فهو لا شيء . وقال : هو ما أراد من الطلاق ، فإن لم يرد طلاقاً فهو يمين ، فدعا الله تعالى نبيه باسم النبوة الذي هو دال على شرف منزلته وعلى فضيلته التي خصه بها دون البشر ، وقرره كالمعاتب على سبب تحريمه على نفسه ما أحل الله له ، وقوله : { تبتغي } جملة في موضع الحال من الضمير الذي في { تحرم } ، و «المرضاة » مصدر كالرضى ، ثم غفر له تعالى ما عاتبه فيه ورحمه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.