الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (1)

أخرج ابن سعد وعبد بن حميد والبخاري وابن المنذر وابن مردويه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلاً ، فتواصيت أنا وحفصة أن أتينا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير أكلت مغافير ، فدخل إلى إحداهما ، فقالت ذلك له ، فقال : لا بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود فنزلت { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } إلى { أن تتوبا إلى الله } لعائشة وحفصة { وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً } لقوله : بل شربت عسلاً .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه بسند صحيح عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب من شراب عند سودة من العسل ، فدخل على عائشة فقالت : إني أجد منك ريحاً ، فدخل على حفصة ، فقالت : إني أجد منك ريحاً ، فقال : «أراه من شراب شربته عند سودة والله لا أشربه » فأنزل الله { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } الآية .

وأخرج ابن سعد عن عبدالله بن رافع قال : سألت أم سلمة عن هذه الآية { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } قالت : كانت عندي عكة من عسل أبيض ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يلعق منها ، وكان يحبسه ، فقالت له عائشة : نحلها تجرش عرفطاً فحرمها ، فنزلت هذه الآية .

وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد عن عبدالله بن عتيبة أنه سئل أي شيء حرم النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : عكة من عسل .

وأخرج النسائي والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة حتى جعلها على نفسه حراماً ، فأنزل الله هذه الآية { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } إلى آخر الآية .

وأخرج الترمذي والطبراني بسند حسن صحيح عن ابن عباس قال : نزلت { يا أيها النبي لم تحرم } الآية ، في سريته .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : من المرأتان اللتان تظاهرتا ؟ قال : عائشة وحفصة ، وكان بدء الحديث في شأن مارية أم إبراهيم القبطية أصابها النبي صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة في يومها ، فوجدت حفصة ، فقالت : يا نبي الله لقد جئت إليَّ شيئاً ما جئته إلى أحد من أزواجك في يومي وفي داري ، وعلى فراشي ، فقال : ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها ؟ قالت : بلى فحرمها وقال : لا تذكري ذلك لأحد ، فذكرته لعائشة رضي الله عنها فأظهره الله عليه ، فأنزل الله { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } الآيات كلها فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر عنها فأظهر الله يمينه وأصاب جاريته .

وأخرج ابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك } قال : حرم سريته .

وأخرج ابن سعد وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت عائشة وحفصة متحابتين ، فذهبت حفصة إلى بيت أبيها تحدث عنده فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى جاريته فظلت معه في بيت حفصة ، وكان اليوم الذي يأتي فيه حفصة فوجدتهما في بيتها فجعلت تنتظر خروجها ، وغارت غيرة شديدة ، فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم جاريته ، ودخلت حفصة ، فقالت : قد رأيت من كان عندك ، والله لقد سؤتني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «والله لأرضينك وإني مسر إليك سراً فاحفظيه » قالت : ما هو ؟ قال : «إني أشهدك أن سريتي هذه عليّ حرام رضاً » فانطلقت حفصة إلى عائشة فأسرت إليها أن أبشري إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حرم عليه فتاته ، فلما أخبرت بسر النبي صلى الله عليه وسلم أظهر الله النبي صلى الله عليه وسلم عليه ، فأنزل الله { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : ذكر عند عمر بن الخطاب { يا أيها النبي ، لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك } قال : إنما كان ذلك في حفصة .

وأخرج ابن مردويه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل أم إبراهيم منزل أبي أيوب قالت عائشة رضي الله عنها : فدخل النبي صلى الله عليه وسلم بيتها يوماً ، فوجد خلوة فأصابها ، فحملت بإبراهيم ، قالت عائشة : فلما استبان حملها فزعت من ذلك ، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ولدت ، فلم يكن لأمه لبن فاشترى له ضائنة يغذي منها الصبي ، فصلح عليه جسمه وحسن لحمه وصفا لونه ، فجاء به يوماً يحمله على عنقه ، فقال يا عائشة كيف تري الشبه ؟ فقلت : أنا غيري ما أدري شبهاً ، فقال : ولا باللحم ؟ فقلت : لعمري لمن تغذى بألبان الضأن ليحسن لحمه قال : فجزعت عائشة رضي الله عنها وحفصة من ذلك فعاتبته حفصة ، فحرمها وأسر إليها سراً فأفشته إلى عائشة رضي الله عنها ، فنزلت آية التحريم ، فأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم رقبة .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : وجدت حفصة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم أم ولده مارية أم إبراهيم ، فحرم أم ولده لحفصة رضي الله عنها ، وأمرها أن تكتم ذلك ، فأسرته إلى عائشة رضي الله عنها ، فذلك قوله تعالى : { وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً } فأمره الله بكفارة يمينه .

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } الآية ، قال : كان حرم فتاته القبطية أم إبراهيم عليه السلام في يوم حفصة ، وأسر ذلك إليها ، فأطلعت عليه عائشة رضي الله عنها ، وكانتا تظاهرتا على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، فأحل الله له ما حرم على نفسه ، وأمره أن يكفر عن يمينه ، فقال : { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الشعبي وقتادة رضي الله عنهما { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } قال : حرم جاريته ، قال الشعبي : وحلف يميناً مع التحريم ، فعاتبه الله في التحريم ، وجعل له كفارة اليمين ، وقال قتادة : حرمها فكانت يميناً .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } في المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم .

وأخرج ابن المنذر والطبراني والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس أنه جاءه رجل فقال : جعلت امرأتي عليَّ حراماً فقال : كذبت ليست عليك بحرام ، ثم تلا { لم تحرم ما أحل الله لك } قال : عليك أغلظ الكفارات عتق رقبة .