الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة التحريم{[1]} مدنية{[2]}

قوله تعالى : ( يا أيها النبيء لم تحرم ( ما أحل الله لك ) {[69056]} . . . )[ 1 ] ، إلى قوله : ( ثيبات وأبكارا )[ 5 ] .

نزلت هذه الآية في سبب مارية القبطية {[69057]} أم ولده إبراهيم {[69058]} ، سرية النبي صلى الله عليه وسلم ، كان النبي قد أصابها في بيت حفصة في يومها ، فغارت {[69059]} لذلك {[69060]} حفصة فحرمها النبي على نفسه بيمين أنه لا يقربها طلبا لرضاء {[69061]} حفصة ، فعوتب النبي صلى الله عليه وسلم ونبه على أن ليمينه مخرجا {[69062]} .

قال زبد بن أسلم {[69063]} : " أصاب النبي صلى الله عليه وسلم أم إبراهيم في بيت بعض نسائه . فقالت له : يا {[69064]} رسول الله ، في بيتي وعلى فراشي ! فجعلها {[69065]} عليه حراما . فقالت : يا {[69066]} رسول الله ، كيف تحرم عليك الحلال ؟ ! فحلف لها بالله لا يصيبها ، فأنزل الله : ( يا أيها النبيء لم تحرم ما أحل الله {[69067]} . . . )[ 1 ] " .

قال زيد بن أسلم : " قال لها : أنت علي حرام ، والله لا أطؤك " {[69068]} قال الشعبي : حرمها وحلف ألا يقربها فعوقب [ في ] {[69069]} التحريم ، وجاءت الكفارة في اليمين {[69070]} .

قال الضحاك : كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتاة فغشيها ، فبصرت[ به ] {[69071]} حفصة : وكان اليوم يوم عائشة [ وكانتا ] {[69072]} متعاونتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه لحفصة : اكتمي علي ولا تذكري {[69073]} لعائشة ما رأيت ، فذكرت حفصة لعائشة الخبر ، فغضبت {[69074]} عائشة ، فلم يزل نبي الله {[69075]} حتى حلف لا يقربها ، فأنزل الله الآية {[69076]} ، وأمره بكفارة يمينه {[69077]} .

قال {[69078]} ابن عباس : " أمر الله النبي {[69079]} والمؤمنين إذا {[69080]} حرموا شيئا على أنفسهم مما أحل {[69081]} الله لهم أن يكفروا بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة ، ولا يدخل في ذلك طلاق " {[69082]} ، فإنما حرم النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه جاريته ولم يحلف . وروى عبيد بن عمير {[69083]} عن عائشة أنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يمكث {[69084]} عند زينب بنت جحش {[69085]} [ يشرب ] {[69086]}عندها عسلا ، فتواصيت أنا وحفصة أينا جاءها النبي [ فلتقل ] {[69087]} له إني أجد {[69088]} منك ريح مغافير {[69089]} ، فجاء إلى إحداهما فقالت له ذلك ، فقال : بل شربت عسلا {[69090]} ، ولن[ أعود ] {[69091]} ، فأنزل الله : ( لم تحرم ما أحل الله ) وأنزل ( إن تتوبا إلى الله ) {[69092]} يعني عائشة وحفصة .

ويروى أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أصاب جريته ماريت في بيت عائشة وهي غائبة وفي يومها ، فاطلعت على ذلك حفصة ، فقال لها النبي/ لا تخبري عائشة بذلك ، فأخبرتها ، فغضبت عائشة وقالت {[69093]} : في بيتي وفي يومي {[69094]} ! فأرضاها النبي صلى الله عليه وسلم بأن حلف لها ألا يطأها بعد ذلك وحرمها على نفسه ، فأنزل الله السورة في ذلك .


[1]:أ: إذ.
[2]:حكاه في المحرر 16/262.
[69056]:ساقط من أ, وتمام الآي:(...أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم.
[69057]:مارية القبطية بنت شمعون, أم إبراهيم, مصرية الأصل أهداها المقوقس صاحب الإسكندرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وكانت حسنة الدين.(ت:16هـ). ودفنت بالبقيع. انظر: المحبر:98 وتهذيب الأسماء 2/354 وأسد الغابة 1/40.
[69058]:- هو إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولد في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة وسر النبي صلى الله عليه وسلم بولادته كثيرا. وتوفي وهو بن ثمانية عشر شهرا. وقيل 16 شهرا وثمانية أيام وصلى عليه صلى الله عليه وسلم, ودفنه بالبقيع. انظر: المحبر:53 وأسد الغابة:1/50.
[69059]:- ث: فغارتا.
[69060]:- ث: ذلك.
[69061]:- ث: رضاء.
[69062]:- انظر: جامع البيان 28/155.
[69063]:- هو زيد بن أسلم العدوي العمري, مولاهم, أبو أسامة أو أبو عبد الله: فقيه مفسر, من أهل المدينة, كان عمر بن عبد العزيز أيام خلافته, وكان ثقة, كثير الحديث, له حلقة المسجد النبوي,وله كتاب التفسير رواه عنه ولده عبد الرحمن. انظر: تذكرة الحفاظ:1/124 وتهذيب التهذيب:3/395 والغاية لابن الجزري:1/296. والأعلام: 3/56-57.
[69064]:- ث:أي.
[69065]:- أ: فحلفها.
[69066]:- أ: أحل الله لك.
[69067]:- ث:أ:الآيات. وانظر: جامع البيان: 28/155
[69068]:- جامع البيان: 28/156 وفيه:" ووالله" وانظر: تفسير ابن كثير:4/412.
[69069]:- ساقط من م.
[69070]:- وأنظر: جامع البيان28/156 وأخرجه عن مسروق أيضا وقتادة. وانظر: أيضا تفسير ابن كثير:4/421 والدر:8/216 وحكاه الماوردي في تفسيره:4/261 عن الحسن أيضا.
[69071]:- ساقط من م.
[69072]:- م: وكانت.
[69073]:- أ: ولا تذكرني.
[69074]:- أ: فعصبت.
[69075]:- في جامع البيان:" فلم تزل بنبي الله صلى الله عليه وسلم".
[69076]:-ث: الآيات..
[69077]:- انظر: جامع البيان: 28/156.
[69078]:- أ: وقال.
[69079]:- أ: نبيه.
[69080]:- أ: إذ.
[69081]:- أ: أحله.
[69082]:- جامع البيان: 28/157.
[69083]:- أ: عبيد بن عبيد( تحريف), وعبيد بن عمير هو الليثي, يكنى أبا عاصم المكي, قاضي أهل مكة, من أبلغ الناس, ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم, وروى عن عمر وأبي, وعنه مجاهد وعطاء( ت: 74هـ). انظر: تذكرة الحفاظ:1/50, وطبقات الحفاظ:14/-15 والغاية لابن الجزري: 1/496.
[69084]:- أ: بمكة.
[69085]:- هي زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر الأسدية, أم المؤمنين, وكانت قبله عند زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, (ت20هـ) في خلافة عمر. انظر: المحبر:85 والتقريب: 2/600 وفيه:" جحش بن رباب" والأعلام3/66.
[69086]:- م: يشربها.
[69087]:- م, ث:فتقول.
[69088]:- أ: تجد.
[69089]:- أ: مغافين. قال الزجاج في معانيه:5/191:" والمغافير: صمغ متغير الرائحة, وقيل في التفسير:إنه بقلة". وفي اللسان:( غفر):" يقال له أيضا: مغاثير, بالثاء المثلثة... والمغافير: صمغ يسيل من شجر العرفط غير أن رائحته ليست بطيبة".
[69090]:- أ: عسله.
[69091]:- في جميع النسخ: أعوذ, بالذال المعجمة.
[69092]:- أخرجه الإمام البخاري عن عائشة في كتاب التفسير, سورة التحريم, ح:4912( الفتح 8/656). والإمام مسلم في كتاب الطلاق باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته ولم ينو الطلاق. انظر: شرح النووي على مسلم:10/73. وهو هنا عند مكي بتصرف.
[69093]:- - أ: فقالت.
[69094]:- هذه رواية تدل على أنه كان يوم وبيت عائشة, وهي نخالف جميع الروايات التي أوردها الطبري. فبعضها يدل على أن البيت كان بيت حفصة واليوم يوم عائشة- رضي الله عنها- وبعضها يدل على أنه كان فراش وبيت ويوم حفصة.