الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

مدنية ، وهي إثنتا عشرة آية ومائتانوسبعة وأربعون كلمة ، وألف وستون حرفاً

أخبرني ابن المقرئ ، أخبرنا ابن مطر ، حدّثنا ابن شويك ، حدّثنا ابن يونس ، حدّثنا سلام ابن سليم ، حدّثنا هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أُمامه الباهلي عن أُبي بن كعب قال : قال رسول اللّه ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ سورة ) يا أيها النبي لِمَ تحرم ما أحل اللّهُ لك ( أعطاهُ اللّه توبة نصوحاً ) .

{ يأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وذلك " أنَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلّى الغداة دخل على نسائهِ امرأة امرأة ، وكان أهديت لحفصة بنت عمر عكّة عسل ، فكان إذا دخل عليها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مُسلِّماً حبستهُ وسقته منها ، وإنّ عائشة أنكرت احتباسهُ عندها ؛ فقالت لجويرية عندها حبشية يقال لها : حصن : إذا دخل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على حفصة فادخلي عليها وانظري ماذا يصنع ، فأخبرتها الخبر وشأن العسل ، فغارت عائشة وأرسلت إلى صَواحبها فأخبرتهن وقالت : إذا دخل عليكنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقلن : إنّا نجد منّك ريح مغافير ، وهو صمغ العرفط ، كريه الرائحة ، وكان رسول اللّه يكرهه .

قال : فدخل رسول اللّه على سودة ، قالت : فما أردت أنْ أقول ذلك لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثم أنّي فرقت من عائشة فقلتُ : يا رسول اللّه ما هذه الريح التي أجدُها منك ؟ أكلت المغافير ؟ فقال : " لا ، ولكن حفصة سقتني عسلا " . ثمَّ دخل رسول على امرأة امرأة وهنَّ يقلنّ له ذلك ، ثمّ دخل على عائشة فأخذت بأنفها . فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " ما شأنك ؟ "

قالت : أجدُ ريح المغافير ، أكلتها يا رسول اللّه ؟ قال : " لا ؛ بل سقتني حفصة عسلا " . قالت : حرست إذاً نحلها العرفط ، فقال لها صلى الله عليه وسلم " واللّه لا أطعمهُ أبداً " فحرّمهُ على نفسه " .

وقال عطاء بن أبي مسلم : إنَّ التي كانت تسقي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أُم سلمة .

أخبرنا عبد اللّه بن حامد ، أخبرنا محمد بن الحسن ، حدّثنا علي بن الحسن ، حدّثنا علي ابن عبد اللّه ، حدّثنا حجّاج بن محمد الأعور عن ابن جريج قال : " زعم عطاء أنّهُ سمع عبيد بن عمير قال : سمعتُ عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها تخبر أنَّ رسول اللّه كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا ، قالت : فتواطأتُ أنا وحفصة أيَّتُنَا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلنقل : إني أجدُ منك ريح مغافير ، فدخل على احداهما ، فقالت له ذلك ، فقال : " لا بل شربتُ عسلا عند زينب بنت جحش ، ولن أعود له " فنزلت { يأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ . . . } الآيات .

" قالوا : وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قسّم الأيام بين نسائهِ فلمّا كان يوم حفصة قالت :يا رسول اللّه ، إنّ لي إلى أبي حاجة نفقة لي عندهُ ، فأذنْ لي أنْ أزوره وآتي ، فأذن لها ، فلمّا خرجت أرسل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى جاريته مارية القبطية أُم إبراهيم وكان قد أهداها المقوقس فأدخلها بيت حفصة فوقع عليها ، فأتت حفصة فوجدت الباب مُغلقاً فحُبست عند الباب ، فخرج رسول اللّه ( عليه السلام ) ووجههُ يقطرُ عرقاً وحفصة تبكي ، فقال : ما يُبكيكِ ؟ قالت : إنّما أذنت لي من أجل هذا ، أدخلت أَمتك بيتي ، ثم وقعت عليها في يومي وعلى فراشي ، أما رأيت لي حُرمة وحقاً ؟ ما كنتَ تصنعُ هذا بامرأة منهنّ ؟ فقال رسول اللّه ( عليه السلام ) : " أليس هي جاريتي قد أحلّها اللّه لي ؟ اسكتي فهي حرام عليَّ ألتمس بذلك رضاكِ ، فلا تخبري بهذا امرأة منهن هو عندك أمانة " " .

فلمّا خرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت : ألا أُبشركِ أنّ رسول اللّه قد حرّم عليه أمته مارية ، فقد أراحنا اللّه منها ، فأخبرت عائشة بما رأت وكانتا متصافيتين ، متظاهرتين على سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فغضبت عائشة فلم تزل بنبي اللّه صلى الله عليه وسلم حتى حلف أن لا يقربها ؛ فأنزل اللّه { يأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ } يعني العسل ومارية .

وقال عكرمة : نزلت في المرأة التي وهبت نفسها للنبي عليه والسلام ، ويُقال لها أُم شريك ؛ فأبى النبي ( عليه السلام ) أن يصلها لأجل امرأته { تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .