قوله تعالى :{ لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج } قرأ أبو عمرو ويعقوب : لا تحل بالتاء ، وقرأ الآخرون بالياء ، من بعد : يعني من بعد هؤلاء التسع اللاتي خيرتهن فاخترنك ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خيرهن فاخترن الله ورسوله شكر الله لهن وحرم عليه النساء سواهن ونهاه عن تطليقهن وعن الاستبدال بهن ، هذا قول ابن عباس وقتادة . واختلفوا في أنه هل أبيح له النساء من بعد ؟ قالت عائشة : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء سواهن . وقال أنس : مات على التحريم . وقال عكرمة ، والضحاك : معنى الآية لا يحل لك النساء إلا اللاتي أحللنا لك وهو قوله : { إنا أحللنا لك أزواجك } الآية ، ثم قال : { لا يحل لك النساء من بعد } إلا التي أحللنا لك بالصفة التي تقدم ذكرها . وقيل لأبي بن كعب : لو مات نساء النبي صلى الله عليه وسلم أكان يحل له أن يتزوج ؟ قال : وما يمنعه من ذلك ؟ قيل : قوله عز وجل : { لا يحل لك النساء من بعد } قال : إنما أحل الله له ضرباً من النساء ، فقال : { يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك } ثم قال : { لا يحل لك النساء من بعد } . قال أبو صالح : أمر أن لا يتزوج أعرابية ولا عربية ، ويتزوج من نساء قومه من بنات العم والعمة والخالة إن شاء ثلاثمائة : وقال مجاهد : معناه لا يحل لك اليهوديات ولا النصرانيات بعد المسلمات ولا أن تبدل بهن ، يقول : ولا أن تبدل بالمسلمات غيرهن من اليهود والنصارى ، يقول لا تكون أم المؤمنين يهودية ولا نصرانية ، إلا ما ملكت يمينك ، أحل له ما ملكت يمينه من الكتابيات أن يتسرى بهن . وروي عن الضحاك : يعني ولا أن تبدل بهن ولا أن تبدل بأزواجك اللاتي هن في حبالك أزواجاً غيرهن بأن تطلقهن فتنكح غيرهن ، فحرم عليه طلاق النساء اللواتي كن عنده إذ جعلهن أمهات المؤمنين ، وحرمهن على غيره حين اخترنه ، فأما نكاح غيرهن فلم يمنع عنه . وقال ابن زيد في قوله : { ولا أن تبدل بهن من أزواج } كانت العرب في الجاهلية يتبادلون بأزواجهم ، يقول الرجل للرجل : بادلني بامرأتك ، وأبادلك بامرأتي ، تنزل لي عن امرأتك ، وأنزل لك عن امرأتي ، فأنزل الله : { ولا أن تبدل بهن من أزواج } يعني لا تبادل بأزواجك غيرك بأن تعطيه زوجك وتأخذ زوجته ، إلا ما ملكت يمينك لا بأس أن تبدل بجاريتك ما شئت ، فأما الحرائر فلا . وروي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال : " دخل عيينة بن حصن على النبي صلى الله عليه وسلم بغير إذن ، وعنده عائشة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا عيينة فأين الاستئذان ؟ قال : يا رسول الله ما استأذنت على رجل من مضر منذ أدركت ، ثم قال : من هذه الحميراء إلى جنبك ؟ فقال : هذه عائشة أم المؤمنين ، فقال عيينة : أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق وتنزل لي عن هذه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله قد حرم ذلك ، فلما خرج قالت عائشة : من هذا يا رسول الله ؟ فقال : هذا أحمق مطاع وإنه على ما ترين لسيد قومه " . قوله تعالى : { ولو أعجبك حسنهن } يعني : ليس لك أن تطلق أحداً من نسائك وتنكح بدلها أخرى ولو أعجبك جمالها . قال ابن عباس : يعني أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب ، فلما استشهد جعفر أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخطبها فنهى عن ذلك { إلا ما ملكت يمينك } قال ابن عباس رضي الله عنهما : ملك بعد هؤلاء مارية { وكان الله على كل شيء رقيباً } حافظاً . وفي الآية دليل على جواز النظر إلى من يريد نكاحها من النساء . روي عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل "
أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني ، أنبأنا أبو محمد بن محمد بن علي بن شريك الشافعي ، أنبأنا عبد الله بن محمد بن مسلم الجوربذي ، قال : أنبأنا أحمد بن حرب ، أنبأنا أبو معاوية ، عن عاصم هو ابن سليمان ، عن بكر بن عبد الله ، عن المغيرة بن شعبة قال : " خطبت امرأةً فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : هل نظرت إليها ؟ قلت : لا ، قال : فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا عبد الله بن حامد ، أنبأنا حامد بن محمد ، أنبأنا بشر بن موسى ، أنبأنا الحميدي ، أنبأنا سعيد ، أنبأنا يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة : " أن رجلاً أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : انظر إليها فإن في أعين نساء الأنصار شيئاً " قال الحميدي : يعني الصغر .
قوله تعالى : { لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلاَ أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا }
اختلفوا في تأويل هذه الآية . فقد قيل : نزلت هذه الآية لتبين رضا الله عز وجل عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على حُسْن صنيعهن ؛ إذْ اخترن الله ورسوله والدار الآخرة فكان جزاؤهن أن حظر الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الزواج بغيرهن . وهو قول كثير من علماء السلف منهم ابن عباس .
وقيل : نسخ هذا الحظر وأبيح له التزويج ممن شاء لكنه لم يقع منه بعد ذلك أي زواج بغير نسائه . قال الإمام أحمد : عن عائشة ( رضي الله عنها ) قالت : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له النساء .
وقيل : معنى قوله : { لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ } أي من بعد ما ذكرنا لك من صفة النساء اللاتي أحللنا لك من نسائك اللاتي آتيت أجورهن ، وما ملكت يمينك ، وبنات العم والعمات والخال والخالات ، والواهبة نفسها لك . وأما ما سوى ذلك من أصناف النساء فلا يحل لك .
واختار الطبري قول من قال : معنى ذلك ، لا يحل لك النساء من بعد اللواتي أحللتهن لك بقولي : { إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ } إلى قوله :
{ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } .
قوله : { وَلاَ أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ } اختلفوا في المراد بذلك على عدة أقوال . منها : أنه لا يحل لك أن تبدَّل بالمسلمات غيرهن من الكوافر من النصارى واليهود والمشركين ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك منهن .
ومنها : أنه لا يحل لك أن تبدل بأزواجك اللواتي في عصمتك أزواجا غيرهن بأن تطلقهن وتنكح غيرهن ولو أعجبك فيهن الحسن .
ومنها : أنه لا يحل لك أن تبادل من أزواجك غيرك بأن تعطيه زوجتك وتأخذ زوجته ، وهو ما كانت تفعله العرب في جاهليتها ؛ فقد روي عن أبي هريرة قال : " كان البدل في الجاهلية ، أن يقول الرجل للرجل : بادلني امرأتك وأبادلك بامرأتي . أي تنزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي فأنزل الله { وَلاَ أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ } قال الإمام الطبري : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : ولا أن تطلق فتستبدل بهن غيرهن أزواجا .
أما ما ملكت يمينه من الإماء فإنما يحل للنبي منهن المؤمنات لما في ذلك من تنزيه لقدره عليه الصلاة والسلام عن معاشرة الأمة الكافرة . ويعزز ذلك قول سبحانه : { ولا تمسكوا بعِصَمِ الكوافر } .
وقيل : يحل له من الإماء الكافرة لعموم قوله : { إلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ } وهو الأظهر .
ويستفاد من هذه الآية أيضا استحباب النظر إلى المخطوبة قبل زواجها كيلا يأخذه الندم بعد الزواج إن لم ينظر إليها ، وحرصا من الشريعة الكريمة على ترسيخ المودة بين الزوجين ؛ فقد روى أبو داود عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منا إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " وقد ذكر أن المغيرة بن شعبة أراد زواج امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " انظر إليها فإنه أحب أن يؤدَمَ{[3763]} بينكما " يعني أن تكون بينكما المحبة والاتفاق .
قوله : { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا } الله حفيظ على كل شيء فلا يعزب عن جلاله علم شيء ، صغيرا أو كبيرا . سواء في ذلك ما أحله الله لكم أو حرمه عليكم . أو غير ذلك من أخبار الكون كله ، فاحذروه سبحانه{[3764]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.