محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{لَّا يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِنۢ بَعۡدُ وَلَآ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ حُسۡنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ يَمِينُكَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ رَّقِيبٗا} (52)

{ لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ } أي من بعد النساء اللاتي نص إحلالهن لك في الآية قبل . وانظر إلى تكريمه تعالى لنبيه صلوات الله عليه حيث لم يقل له ( وحرم عليك ما وراء ذلك ) كما خاطب المؤمنين بنظيره ، لتعلم كيف تتفاوت الناس بالخطاب تفاوتهم في رفيع الدرجات .

ولم أر أحدا نبه على ذلك ، فاحرص عليه فيه وفي أمثاله .

قال مجاهد في الآية : أي لا يحل لك يهودية ولا نصرانية ولا كافرة { وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ } أي فلك التسري بهن وإن كن كتابيات أو مشركات ، لأنه ليس لهن ما للحرائر { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا } أي حيث أحل ما أحل وحظر ما حظر للنبي وللأمة ، في بيان لا خفاء معه وحكمة لا حيف معها . وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن معنى الآية هو حظر نكاح ما بعد التسع اللاتي عنده صلى الله عليه وسلم . وأن التسع نصابه كالأربع لغيره ، وأن ذلك جزاء لاختيارهن له لما خيرن . كما تقدم في الآية . ثم قالوا إنه تعالى رفع الحرج عنه في ذلك ، ونسخ حكم هذه الآية ، وأباح له التزوج ، لكنه لم يفعله إتماما للمنة عليهن . ومنهم من قال إنها محكمة . وكل ذلك لا برهان معه . وتفكيك للمعنى ، وغفلة عن سر تكريمه صلوات الله عليه بمقصود الخطاب . وقد وهم في هذا المعنى زياد – رجل من الأنصار – فرده أبي رضي الله عنه ، إلى صواب المعنى . وذلك فيما رواه عبد الله بن أحمد وابن {[6209]} جرير ؛ ( أن زيادا قال لأبي بن كعب : أرأيت لو أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم توفين ، أما كان له ان يتزوج ؟ فقال : وما يمنعه من ذلك ؟ قال : قوله تعالى : { لا يحل لك النساء من بعد } فقال له : إنما أحل الله له ضربا من النساء . فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ، - إلى قوله - إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } ثم قيل له { لا يحل لك النساء من بعد } .

وروى الترمذي {[6210]} عن ابن عباس قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات ، بقوله تعالى : { لا يحل لك النساء من بعد } الآية . فحرم كل ذات دين غير دين الإسلام ) .

والمطلع على ما كتبوه هنا ، يأخذه العجب من البعد عن مقصدها . فالحمد لله على إلهام الحق وتعليمه .

تنبيه :

قال في ( لباب التأويل ) : في قوله تعالى : { ولو أعجبك حسنهن } دليل على جواز النظر من الرجل إلى التي يريد نكاحها من النساء . ويدل عليه ما روي عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا خطب أحدكم المرأة ، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها ، فليفعل ) . أخرجه أبو داود {[6211]} .

وروى {[6212]} مسلم عن أبي هريرة ؛ ( أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا ) . قال الحميدي : يعني هو الصغر .

وعن المغيرة بن شعبة قال : ( خطبت امرأة فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : هل نظرت إليها ؟ قلت : لا . قال : فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ) . أخرجه الترمذي {[6213]} وحسنه .


[6209]:انظر الصفحة رقم 29 من الجزء الثاني والعشرين (طبعة الحلبي الثانية).
[6210]:أخرجه الترمذي في: 44 – كتاب التفسير، 33 سورة الأحزاب،، 18 – حدثنا عبد. حدثنا روح عن عبد الحميد.
[6211]:أخرجه في: 12 – كتاب النكاح، 18 – باب في الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها، حديث 2082.
[6212]:أخرجه في: 16 – كتاب النكاح، حديث رقم 84 (طبعتنا).
[6213]:أخرجه في: 9 كتاب النكاح، 5 – باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة، حديث رقم 1078.