قوله : { لاَ يَحِلُّ لَكَ النساءُ } قرأ أبو عمرو «لا تَحِلُّ » بالتأنيث اعتباراً باللفظ والباقون بالياء لأنه جنس والمفصل أيضاً{[43799]} ، وقوله «مِنْ بَعْدُ » أي من ( بعد ){[43800]} اللائي نصصنا لك على إحْلاَلِهِنَّ كما تقدم{[43801]} ، وقيل : من بعد إباحة النساء المسلمات دون الكِتَابِيَّات{[43802]} .
قال المفسرون : من بعد أي من بعدهن : قال ابن الخطيب : والأولى أن يقال لا تحل لك النساء من بعد اختيارهن الله ورسوله ورضاهن بما تؤتيهن من الوصل والهجران{[43803]} ، وقال ابن عباس وقتادة : من بعد هؤلاء التسعة{[43804]} خيرتهن فاخترنَك ، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما خيرهن فاخْترن الله ورسوله شكر الله لهن ، وحُرِّمَ عليه النساء سواهن ونهاه عن تطليقهن وعن الاستبدال بهن ، واختلفوا في أنه هل أبيح له النساء من بعد ، قالت عائشة : ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أحل له النساء . وقال أنس : مات على التحريم ، وقال عكرمة : معنى الآية لا تحل لك النساء إلا اللاتي أحللنَا لك أزواجَك ، الآية ثم قال : لا تحل لك النساء من بعد اللاتي أحللنا لك بالصفة التي تقدم{[43805]} ذكرها .
وقيل لأبي بن كعب : لو مات نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحل له أن يتزوج ، قال : ( و ){[43806]} ما يمنعه من ذلك ؟ قيل : قوله عز وجل : { لاَ يَحِلُّ لَكَ النساء مِن بَعْدُ } قال : إنما أحَلَّ اللَّهُ ضَرْباً من النساء فقال : { يا أيها النبي إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ } قال : { لاَ يَحِلُّ لَكَ النساء مِن بَعْدُ } ( و ){[43807]} قال أبو صالح : أمر أن لا يتزوج أعرابية ولا غريبة ويتزوج من نساء قومه من بنات العم والعمة والخال والخالة إن شاء ثلاثمائة . وقال مجاهد : معناه لا تحل لك اليَهُودِيَّاتُ بعد المسلمات{[43808]} { وَلاَ أَنْ تَبَدَّلَ } بالمسلمات غيرهن من اليهود والنصارى يقول : لا تكون أم المؤمنين يهودية ولا نصرانية { إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ } أحلَّ له ما ملكت يمينه من الكتابيات أن يَتَسرى بهنَّ ؛ وروي عن الضحاك معنى { وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ } ولا أن تبدل بأزواجك اللاتي هن في حبالك أزواجاً غيرهن بأن تطلق فتنكح غيرهن فحرم عليه طلاق النساء اللواتي كن عنده وجعلهن أمهات المؤمنين وحرمهن على غيره حين{[43809]} اخترنه ، فأما نكاح غيرهن فلم يمنع عنه{[43810]} .
وقال ابن زيد في قوله : { وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ } كانت العرب في الجاهلية يتبادلونَ بأزواجهم{[43811]} يقول الرجل : بادِلْنِي بامرأتك وأبادِلك بامْرأتي ، تنزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي{[43812]} ، فأنزل الله - عز وجل - { وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ } يعني تبادل بأزواجك غيرك بأن تعطيه زوجتك وتأخذ زوجته { إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ } لا بأس أن تبادل بجاريتك ما شئت ، فأما الحَرَائِرُ فلا ، روى عطاء بن{[43813]} يَسَارِ عن أبي هُرَيْرَةَ قال : «دخل عُيَيْنَةُ بن حصن على النبي - صلى الله عليه وسلم - بغير إذن وعنده عائشة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - يا عيينة أين الاستئذانُ ؟ قال يا رسول الله : ما استأذنت على رجل من مضر منذ أدركت ، ثم قال : مَنْ هذه الحميراء التي{[43814]} جنبك ؟ فقال : هذه عائشة أم المؤمنين فقال عيينة : أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق{[43815]} ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله قد حرم ذلك فلما خرج قالت عائشة : من هذا يا رسول الله ؟ قال : هذا أحمق مُطَاع وإنه على ما تَرَيْن لسيدُ قومه » قوله : «وَلَوْ أَعْجَبَكَ » كقوله : «أَعْطُوا السَّائِلَ وَلَوْ على فَرَسٍ » أي في كل حال ولو على هذه الحال المنافية قال الزمخشري{[43816]} : قوله «حسنهن » في معنى الحال .
معنى { ولو أعجبك حسنهن } أي ليس لك أن تطلق أحداً من نسائك وتنكح بدلها أخرى ولو أعجبك جمالها . قال ابن عباس{[43817]} يعني أسماء بنت عميْس الخَثْعَمِيَّة{[43818]} امرأة جعفر بن أبي طالب فلما استشهد جعفر أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يَخْطِبَها فنهي عن ذلك . وقال بعض المفسرين{[43819]} ظاهر هذا ناسخ لما كان قد ثبت له عليه ( الصلاة{[43820]} و ) السلام من أنه إذا رأى واحدة فوقعت في قلبه مَوْقِعاً كانت تحرم على الزوج ويجب عليه طلاقها . وهذه مسألة حكمية وهي أن النبي عليه ( الصلاة{[43821]} و ) السلام وسائر الأنبياء{[43822]} في أول النبوة يشتد عليهم برحاء الوحي ثم يستأنسون به فينزل عليهم وهم متحدِّثون{[43823]} مع أصحابهم لا يمنعهم من ذلك مانع ، ففي أول الأمر أحل الله من وقع في قلبه تفريغاً لقلبه ، وتوسعاً لصدره لئلا يكون مشغول القلب بغير الله ، ثم لما استأنس بالوحي نسخ ذلك إما لقوله عليه ( الصلاة{[43824]} و ) السلام الجمع بين الأمرين ، وإما لأنه بدوام الإنزال لم يبق له مألوفٌ من أمور الدنيا فلم يبق له التفات إلى غير الله فلم يبق له حاجة إلى إخلاء{[43825]} المتزوّج بمن وقع بصره عليها .
قوله : { إِلاَّ مَا مَلَكَتْ } فيه أوجه :
أحدها : أنه مستثنى من النساء فيجوز فيه وجهان : النصب على أصل الاستثناء والرفع على البدل وهو المختار{[43826]} ، والثالث : أنه مستثنى من «أزواج » قاله أبو البقاء{[43827]} ، فيجوز أن يكون في موضع نصب على أصل الاستثناء ، وأن يكون في موضع جر بدلاً مِن «هُنَّ » ( على{[43828]} ) اللفظ ، وأن يكون في موضع نصب بدلاً مِن «هُنَّ » على المحل{[43829]} ، وقال ابن عطية إن كانت ( ما{[43830]} ) مصدرية فهي في موضع نصب لأنه من غير الجنس{[43831]} وليس بجيد ؛ لأنه قال بعد ذلك{[43832]} والتقدير : إلا ملك اليمين ، و «ملك » بمعنى مملوك انتهى . وإذا كان بمعنى مملوك صار من الجنس وإذا صار من الجنس لم يكن منقطعاً على أنه على تقدير انقطاعه لا يتحتم نصبه ، بل يجوز عند تميم الرفْعُ بدلاً والنصب على الأصل كالمتصل بشرط صحة توجه العامل إليه{[43833]} كما تقدم تحقيقه{[43834]} ، وهذا يمكن توجه العامل إليه ، ولكن اللغة المشهورة لغةُ الحِجَاز وهو لزوم النصب في المنقطع مطلقاً ، كما ذكره أبو محمد آنفاً{[43835]} .
قال ابن عباس ملك بعد هؤلاء مَارِيَة{[43836]} ، و { وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً } حافظاً عالماً بكل شيء قادراً عليه ، وفي الآية دليل على جواز النظر إلى من يريد نكاحها من النساء ، روي عن جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إِذَا خَطبَ أَحَدُكُمْ المَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِها فَلْيَفْعَلْ »{[43837]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.