{ لاَّ يَحِلُّ لَكَ النساء مِن بَعْدُ } قرأ الجمهور { لاَّ يَحِلُّ } بالتحتية للفصل بين الفعل وفاعله المؤنث ، وقرأ ابن كثير بالفوقية .
وقد اختلف أهل العلم في تفسير هذه الآية على أقوال : الأوّل أنها محكمة ، وأنه حرّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوّج على نسائه ؛ مكافأة لهنّ بما فعلن من اختيار الله ورسوله والدار الآخرة ، لما خيرهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله له بذلك ، وهذا قول ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة والحسن وابن سيرين ، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وابن زيد وابن جرير .
وقال أبو أمامة بن سهل بن حنيف : لما حرّم الله عليهنّ أن يتزوجن من بعده حرّم عليه أن يتزوّج غيرهن . وقال أبيّ بن كعب وعكرمة وأبو رزين : إن المعنى : لا يحل لك النساء من بعد الأصناف التي سماها الله . قال القرطبي : وهو اختيار ابن جرير . وقيل : لا يحلّ لك اليهوديات ولا النصرانيات لأنهنّ لا يصح أن يتصفن بأنهنّ أمهات المؤمنين . وهذا القول فيه بُعْد ؛ لأنه يكون التقدير : لا يحلّ لك النساء من بعد المسلمات ، ولم يجر للمسلمات ذكر . وقيل : هذه الآية منسوخة بالسنة وبقوله سبحانه : { تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء } وبهذا قالت عائشة وأم سلمة وعلي بن أبي طالب وعلي بن الحسين وغيرهم ، وهذا هو الراجح ، وسيأتي في آخر البحث ما يدل عليه من الأدلة .
{ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ } أي تتبدل ، فحذفت إحدى التاءين ، أي ليس لك أن تطلق واحدة منهنّ أو أكثر وتتزوّج بدل من طلقت منهنّ ، و{ من } في قوله : { مِنْ أَزْوَاجٍ } مزيدة للتأكيد . وقال ابن زيد : هذا شيء كانت العرب تفعله . يقول : خذ زوجتي وأعطني زوجتك ، وقد أنكر النحاس وابن جرير ما ذكره ابن زيد . قال ابن جرير : ما فعلت العرب هذا قط . ويدفع هذا الإنكار منهما ما أخرجه الدارقطني عن أبي هريرة قال : كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل : تنزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ } وأخرجه أيضاً عنه البزار وابن مردويه ، وجملة : { وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ } في محل نصب على الحال من فاعل { تبدّل } ، والمعنى أنه لا يحل التبدّل بأزواجك ولو أعجبك حسن غيرهنّ ممن أردت أن تجعلها بدلاً من إحداهنّ ، وهذا التبدّل أيضاً من جملة ما نسخه الله في حق رسوله على القول الراجح .
وقوله : { إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ } استثناء من النساء لأنه يتناول الحرائر والإماء .
وقد اختلف العلماء في تحليل الأمة الكافرة . القول الأوّل : أنها تحلّ للنبيّ صلى الله عليه وسلم لعموم هذه الآية ، وبه قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحكم . القول الثاني : أنها لا تحلّ له تنزيهاً لقدره عن مباشرة الكافرة . ويترجح القول الأوّل بعموم هذه الآية ، وتعليل المنع بالتنزّه ضعيف فلا تنزّه عما أحله الله سبحانه ، فإن ما أحله فهو طيب لا خبيث باعتبار ما يتعلق بأمور النكاح ، لا باعتبار غير ذلك ، فالمشركون نجس بنص القرآن . ويمكن ترجيح القول الثاني بقوله سبحانه : { وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر } [ الممتحنة : 10 ] فإنه نهي عام { وَكَانَ الله على كُلّ شَيْء رَّقِيباً } أي مراقباً حافظاً مهيمناً لا يخفى عليه شيء ولا يفوته شيء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.