قوله تعالى : { لاَّ يَحِلُّ لَكَ } بالتاء أهل البصرة ، وغيرهم بالياء { النِّسَآءُ مِن بَعْدُ } أي من بعد هؤلاء النساء التسع اللاّتي خيّرتهنّ فاخترنك لما اخترن الله ورسوله والدار الآخرة ، قصره عليهنّ ، وهذا قول ابن عبّاس وقتادة . وقال عكرمة والضحاك : لا يحلّ لك من النساء إلاّ اللاّتي أحللناها لك وهو قوله : { إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ } ثمّ قال : { لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ مِن بَعْدُ } التي أحللنا لك بالصفة التي تقدّم ذكرها .
روى داود بن أبي هند عن محمّد بن أبي موسى عن زياد رجل من الأنصار قال : قلت لأُبيّ بن كعب : أرأيت لو مات نساء النبي صلّى الله عليه وسلم أكان يحلّ له أنْ يتزوّج ؟ فقال : وما يمنعه من ذلك وما يُحرّم ذلك عليه ؟ قلت : قوله : { لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ مِن بَعْدُ } فقال : إنّما أحلّ الله له ضرباً من النساء فقال : { يأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ .
. . } ثمّ قال : { لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ مِن بَعْدُ } .
وقال أبو صالح : أُمر أنْ لا يتزوّج أعرابية ولا عربية ويتزوّج بعد من نساء قومه من بنات العمّ والعمّة والخال والخالة إنْ شاء ثلاثمائة . وقال سعيد بن جبير ومجاهد : معناه لا يحلّ لك النساء من غير المسلمات فأمّا اليهوديّات والنصرانيّات والمشركات فحرامٌ عليك ، ولا ينبغي أنْ يكنَّ من أُمّهات المؤمنين .
وقال أبو رزين : { لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ مِن بَعْدُ } يعني الإماء بالنكاح . { وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ } قال مجاهد وأبو رزين : يعني ولا أنْ تبدّل بالمسلمات غيرهنّ من اليهود والنصارى والمشركين { وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ } من السبايا والإماء الكوافر .
وقال الضحّاك : يعني ولا تبدّل بأزواجك اللاّتي هنّ في حبالك أزواجاً غيرهنّ ، بأن تطلّقهنّ وتنكح غيرهن ، فحرّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم طلاق النساء اللّواتي كنّ عنده ، إذ جعلهنّ أُمّهات المؤمنين ، وحرّمهن على غيره حين اخترنه ، فأمّا نكاح غيرهنّ فلم يُمنع منه ، بل أُحلّ له ذلك إنْ شاء . يدلّ عليه ما أخبرناه عبدالله بن حامد الوزان ، عن أحمد بن محمد بن الحسين ، عن محمّد بن يحيى قال : أخبرني أبو عاصم عن جريح عن عطاء عن عائشة قالت : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحلَّ له النساء .
وقال ابن زيد : كانت العرب في الجاهلية يتبادلون بأزواجهم يعطي هذا امرأته هذا ويأخذ امرأة ذاك فقال الله : { وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ } يعني تُبادل بأزواجك غيرك أزواجه ، بأنْ تعطيه زوجتك وتأخذ زوجته إلاّ ما ملكت يمينك لا بأس أن تبادل بجاريتك ما شئت فأمّا الحرائر فلا .
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن حامد الاصفهاني ، عن أحمد بن محمد بن يحيى العبيدي ، عن أحمد بن نجدة ، عن الحماني ، عن عبد السلام بن حرب ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة قال : كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل : بادلني امرأتك وأُبادلك بامرأتي ، تنزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ } قال : فدخل عيينة بن حصين على النبي صلّى الله عليه وعنده عائشة فدخل بغير إذن ، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه : " يا عيينة فأين الاستئذان ؟ " قال : يا رسول الله ما استأذنت على رجل من مضر منذ أدركت ، ثمّ قال : مَنْ هذه الحميراء إلى جنبك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذه عائشة أُمّ المؤمنين " . قال عيينة : أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق ، قال رسول الله صلّى الله عليه : " إنَّ الله عزّ وجلّ قد حرّم ذلك " ، فلمّا خرج ، قالت عائشة : مَنْ هذا يا رسول الله ؟ قال : " هذا أحمق مطاع وإنّهُ على ما ترين لسيّد قومه " .
قال ابن عبّاس في قوله : { وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ } يعني أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب ، وفيه دليل على جواز النظر إلى من يريد أن يتزوّج بها ، قد جاءت الأخبار بإجازة ذلك .
أخبرنا عبدالله بن حامد ، عن محمد بن جعفر المطيري ، عن عبد الرحمن بن محمد بن منصور ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان عن عاصم الأحول ، عن بكير بن عبد الله المزني أنَّ المغيرة بن شعبة أراد أنْ يتزوّج بامرأة ، فقال النبيّ ( عليه السلام ) : " فانظر إليها فإنّه أجدر أن يودم بينكما " .
وأخبرنا عبد الله بن حامد ، عن محمد بن جعفر ، عن علي بن حرب قال : أخبرني أبو معاوية ، عن الحجّاج بن أرطأة ، عن سهل بن محمد بن أبي خيثمة ، عن عمّه سليمان بن أبي خيثمة قال : رأيت محمد بن سلمة يطارد نبيتة بنت الضحّاك على إجار من أياجير المدينة قلت : أتفعل هذا ؟ قال : نعم ، إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول : " إذا ألقى الله في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أنْ ينظر إليها " .
وأخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد عن بشر بن موسى ، عن الحميدي عن سفيان ، عن يزيد ابن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة أنّ رجلاً أراد أن يتزوّج امرأة من الأنصار ، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم : " أُنظر إليها فإنَّ في أعين نساء الأنصار شيئاً " . قال الحميدي : يعني الصّغَر . { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً } حفيظاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.