معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ} (30)

قوله تعالى : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } قرأ أهل المدينة والشام { بما كسبت } بغير فاء ، وكذلك هو في مصاحفهم فمن حذف الفاء جعل ما في أول الآية بمعنى الذي أصابكم بما كسبت أيديكم . { ويعفو عن كثير } قال الحسن : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفس محمد بيده ما من خدش عود ولا عثرة قدم ، ولا اختلاج عرق إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر " .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني أبو عبد الله بن فنجويه ، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي ، حدثنا بشر بن موسى الأسدي ، حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا مروان بن معاوية ، أخبرني الأزهر بن راشد الباهلي عن الخضر ابن القواس البجلي عن أبي سخيلة قال : قال علي بن أبي طالب : ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله عز وجل حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } قال : وسأفسرها لك يا علي : ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فيما كسبت أيديكم ، والله عز وجل أكرم من أن يثني عليهم العقوبة في الآخرة ، وما عفا عنكم في الدنيا فالله أحلم من أن يعود بعد عفوه . قال عكرمة : ما من نكبة أصابت عبداً فما فوقها إلا بذنب لم يكن الله ليغفر إلا بها ، أو درجة لم يكن الله ليبلغها إلا بها .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ} (30)

قوله : { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } أي ما يصيبكم أيها الناس من مصيبة في الدنيا في أنفسكم أو أهليكم أو أموالكم أو غير ذلك من وجوه المصائب فإنما ذلك عقوبة لكم من الله بما اجترحتم من السيئات والذنوب .

وذلك فضل من الله ورحمة منه بعباده ؛ إذْ يعاقبهم في الدنيا ببعض العقوبات جزاء آثامهم وسيئاتهم ومعاصيهم بدلا من معاقبتهم على ذلك في النار يوم القيامة . ولا شك أن عقاب النار في الآخرة أليم وجيع وأنه أشد ويلا وفظاعة . وفي المعاقبة في الدنيا على السيئات ، جاء في الصحيح : " والذي نفسي بيده ما يصيب المؤمن من نَصَبٍ ولا وصب{[4110]} ولا هم ولا حزن ؛ إلا كفَّر اللهُ عنه بها من خطاياه حتى الشوكة يُشَاكها " .

وذكر عن الحسن البصري في قوله تعالى : { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } قال : لما نزلت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ما من خَدْشٍ عودٍ ولا اختلاج عِرْق ولا عثرة قدم إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر " .

وروى الإمام أحمد عن عائشة ( رضي الله عنها ) قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له ما يكفرها ؛ ابتلاه الله تعالى بالحزن ليكفرها " .

وذكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال ف هذا الصدد : ألا أحدثكم بحديث ينبغي لكل مؤمن أن يعيه ؟ فتلا هذه الآية : { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } قال : ما عاقب الله تعالى به في الدنيا فالله أحلمُ من أن يثني عليه بالعقوبة يوم القيامة ، وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أكرمُ من أن يعود في عفوه يوم القيامة .

قوله : { وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } أي يعفو الله عن كثير من ذنوب عباده وسيئاتهم فلا يعاقبهم بها .


[4110]:الوصب، معناه المرض. انظر مختار الصحاح ص 724.