الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ} (30)

في مصاحف أهل العراق { فَبِمَا كَسَبَتْ } بإثبات الفاء على تضمين «ما » معنى الشرط . وفي مصاحف أهل المدينة { بِمَا كَسَبَتْ } بغير فاء ، على أنّ ( ما ) مبتدأة ، وبما كسبت : خبرها من غير تضمين معنى الشرط . والآية مخصوصة بالمجرمين ولا يمتنع أن يستوفي الله بعض عقاب المجرم ويعفو عن بعض . فأمّا من لا جرم له كالأنبياء والأطفال والمجانين ، فهؤلاء إذا أصابهم شيء من ألم أو غيره فللعوض الموفى والمصلحة . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " ما من اختلاج عرق ولا خدش عود ولا نكبة حجر إلا بذنب ، ولما يعفو الله عنه أكثر " وعن بعضهم : من لم يعلم أن ما وصل إليه من الفتن والمصائب باكتسابه . وأنّ ما عفا عنه مولاه أكثر : كان قليل النظر في إحسان ربه إليه . وعن آخر : العبد ملازم للجنايات في كل أوان ؛ وجناياته في طاعاته أكثر من جناياته في معاصيه ، لأنّ جناية المعصية من وجه وجناية الطاعة من وجوه ، والله يطهر عبده من جناياته بأنواع من المصائب ليخفف عنه أثقاله في القيامة ، ولولا عفوه ورحمته لهلك في أوّل خطوة ، وعن علي رضي الله عنه وقد رفعه : «من عفي عنه في الدنيا عفي عنه في الآخرة ومن عوقب في الدنيا لم تثن عليه العقوبة في الآخرة » وعنه رضي الله عنه : هذه أرجى آية للمؤمنين في القرآن .