وقوله تعالى : { وَمَا أصابكم مِّن مُّصِيبَةٍ } قرأ جمهور القُرَّاء : ( فَبِمَا ) بفاء ، وكذلك هي في جُلِّ المصاحف ، وقرأ نافع وابن عامر : ( بِمَا ) دون فاء ، قال أبو علي الفارسيُّ : أصاب من قوله : { وَمَا أصابكم } يحتمل أنْ يكون في موضع جَزْمٍ ، وتكون ( ما ) شرطيةً ، وعلى هذا لا يجوزُ حَذْفُ الفاءِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ ، وجَوَّزَ حَذْفَهَا أبو الحَسَنِ الأخْفَشُ ، وبعضُ البغداديِّينَ ؛ على أَنَّها مُرَادَةٌ في المعنى ، ويحتمل أنْ يكون أصاب صلة لمَا ، وتكون ما بمعنى الذي ، وعلى هذا يتجه حذفُ الفاء وثبوتها ، لكن معنى الكلام مع ثبوتها التلازم ، أي : لولا كَسْبُكُمْ ما أصابتكم مصيبة ، والمصيبة إنَّما هي بكسب الأيدي ، ومعنى الكلام مع حذفها يجوز أن يكون التلازم ، ويجوز أنْ يعرى منه ، .
قال ( ع ) : وأَمَّا في هذه الآية ، فالتلازم مُطَّرِدٌ مع الثبوت والحذف ، وأمَّا معنى الآية ، فاختلف الناسُ فيه ، فقالت فرقة : هو إخبار من اللَّه تعالى بأَنَّ الرزايا والمصائبَ في الدنيا إِنَّما هي مجازات من اللَّه تعالى على ذنوب المرء وخطاياه ، وأنَّ اللَّه تعالى يعفو عن كثير ، فلا يعاقب عليه بمصيبة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لاَ يُصِيبُ ابْنَ آدَمَ خَدْشُ عُودٍ ، أوْ عَثْرَةُ قَدَمٍ ، وَلاَ اخْتِلاَجُ عِرْقٍ إلاَّ بِذَنْبٍ ، وَمَا يَعْفُو عَنْهُ أَكْثَرُ " .
وقال مُرَّةُ الهَمَدَانِيُّ : رأيتُ على ظهر كَفِّ شُرَيْحٍ قُرْحَةً ، فقلتُ : ما هذا ؟ فقال : هذا بما كَسَبَتْ يَدَيَّ ، ويعفو اللَّه عن كثير .
وقيل لأبي سليمانَ الدَّارَانِيِّ : ما بالُ الفضلاء لا يَلُومُونَ مَنْ أساءَ إليهم ؟ فقال : لأَنَّهُمْ يعلَمُونَ أَنَّ اللَّه تعالى هو الذي ابتلاهم بذنوبهم ، ورَوَى عليُّ بْنُ أبي طَالِبٍ رضي اللَّه عنه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال : " مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مَرَضٍ ، أَوْ عُقُوبَةٍ ، أوْ بَلاَءٍ في الدُّنْيَا فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ، وَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أنْ يُثَنِّيَ عَلَيْكُمُ الْعُقُوبَةَ في الآخرة ، وَمَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ في الدُّنْيَا ، فَاللَّهُ أَحْلَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِيهِ بَعْدَ عَفْوِهِ " . وقال الحَسَنُ : معنى الآية في الحُدُودِ ، أي : ما أصابكم من حَدٍّ من حُدُودِ اللَّه ، فبما كسبَتْ أيديكم ، ويعفو اللَّه عن كثير ، فيستره على العبد حتى لا يُحَدَّ عليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.