الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ} (30)

قوله تعالى : { وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم } إلى قوله : رهم يغفرون }[ 28-34 ] .

أي : والذي أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم .

وقيل : ( ما ) للشرط ، والفاء مرادة ، وحسن حذفها ، لأن الفعل الأول لم يعمل فيه الشرط ، إذ هو ماض{[60946]} . وفي كون ( ما ) بمعنى ( الذي بعد ) ، لأنه يصير مخصوصا للماضي{[60947]} .

فكأن ما أصابنا فيما مضى من مصيبة هو بما كسبت أيدينا{[60948]} وما يصيبنا فيما نستقبل{[60949]} يحتمل أن يكون مثل ذلك ، وأن يكون على خلافه ، لغير ما كسبت أيدينا .

وهذا ( لا يجوز ، بل هو عام فيما مضى وما يستقيل ، لا يصيبنا من مصيبة ماضية أو مستقبلة إلا بما كسبت أيدينا . وهذا المعنى لا يتضمنه ){[60950]} إلا الشرط لأنه للعموم .

فمعنى الآية : إن الله جل ذكره أعلمنا أن ما يصيبنا من مصيبة في الدنيا في الأموال والأنفس{[60951]} والأهل فهو عقوبة منه لنا بما اكتسبنا من الآثام .

ثم قال / تعالى : { ويعفوا عن كثير } أي : مما اكتسبنا فلا يعاقبنا عليه في الدنيا بالمصائب .

قال قتادة : ذكر لنا نبي الله{[60952]} عليه السلام قال : " لا يصيب ابن آدم خدش عود ، ولا عثر قدم ، ولا اختلاج عرق إلا بذنب ، وما يعفو{[60953]} عنه أكثر " {[60954]} .

وقال ابن عباس : تعجل{[60955]} للمؤمنين عقوبتهم بذنوبهم في الدنيا ولا يؤاخذون بها في الآخرة{[60956]} .

وقال الحسن : معنى الآية في الحدود ، أن الله تعالى جعل{[60957]} الحدود على ما يعمل الإنسان من المعاصي{[60958]} . وهذا يعطي أن ( ما ) بمعنى ( الذي ) .

قال إبراهيم بن عرفة{[60959]} : الكثير الذي يعفو ( الله عز وجل عنه ) لا يحصى{[60960]} . وهذه{[60961]} من أرجى آية في القرآن{[60962]} .

وقال علي رضي الله عنه في هذه الآية : إذا كان يكفر عني بالمصائب ويعفو عن كثير فماذا يبقى من ذنوبي{[60963]} بين كفارته وعفوه{[60964]} .

وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : ألا أخبركم{[60965]} بأرجى آية في كتاب الله . ؟ قالوا : بلى ، فقرأ : { وما أصابكم من مصيبة } الآية{[60966]} .

ثم قال : فالمصائب في الدنيا بكسب الأيدي{[60967]} ، وما عفا الله عز وجل عنه في الدنيا فلم يعاقب به في الدنيا فهو أجود وأمجد وأكرم أن ( يعذب به ){[60968]} في القيامة .

وروي عنه رضي الله عنه أنه قال : ما أحب أن{[60969]} لي بها الدنيا وما فيها .

( وقال أبو وائل : ما من مسلم يشاك بشوكة{[60970]} فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة ، وحط عنه بها خطيئة ){[60971]} .


[60946]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/646. وجاء هذا الإعراب في إعراب النحاس، 4/83 وفي المحرر الوجيز 14/224 عن أبي الحسن الأخفش وبعض البغداديين.
[60947]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/646، والبيان في غريب إعراب القرآن 2/349، وجامع القرطبي 16/310، وقال النحاس في إعرابه: وهذا مذهب أبي إسحاق.
[60948]:ساقط من (ح).
[60949]:(ح): يستقبل.
[60950]:(ح): لا يحتوي منه.
[60951]:(ح): والنفس.
[60952]:في طرة (ت).
[60953]:(ح): يغفر.
[60954]:أخرجه الطبري في جامع البيان 25/21 عن قتادة بمعناه والحميدي في مسنده 2/485 ح 1148 عن أبي هريرة بمعناه. ونسب ابن حجر تخريجه في الكافي، سورة الشورى ح 358 تخريجه إلى عبد الرزاق وابن أبي حاتم من طريق إسماعيل بن سليم عن الحسن، والطبري والبيهقي في أواخر الشعب عن قتادة كلاهما مرسل، ووصله عبد الرزاق من رواية الصلت بن بهرام عن أبي وائل عن البراء رضي الله عنه.
[60955]:(ح): يعجل.
[60956]:انظر جامع البيان 25/21.
[60957]:(ت): عجل.
[60958]:انظر جامع البيان 25/21، والمحرر الوجيز 14/225، وجامع القرطبي 16/30.
[60959]:وهو نفطويه. وقد مرت ترجمته ص: 6405.
[60960]:(ح): لا يحصا عدده.
[60961]:(ت): وهذا.
[60962]:كذا في (ت) و(ح) ولعل الاسم (من) أرجى الآيات (أو) وهذه أرجى آية.
[60963]:(ت): ذنوب.
[60964]:انظر جامع القرطبي 16/30.
[60965]:(ت): خبركم.
[60966]:انظر جامع القرطبي 16/30.
[60967]:(ح): الأيد.
[60968]:(ح): يعذبه.
[60969]:ساقط من (ح).
[60970]:(ح): شوكة.
[60971]:ساقط من (ت).