فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ} (30)

{ وَمَا أصابكم مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } أي ما أصابكم من المصائب كائنة ما كانت ، فبسبب ما كسبت أيديكم من المعاصي . قرأ نافع ، وابن عامر : " بما كسبت " بغير فاء ، وقرأ الباقون بالفاء . " وما " في { وَمَا أصابكم } هي الشرطية ، ولهذا دخلت الفاء في جوابها على قراءة الجمهور ، ولا يجوز حذفها عند سيبويه ، والجمهور ، وجوّز الأخفش الحذف كما في قوله : { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [ الأنعام : 121 ] ، وقول الشاعر :

من يفعل الحسنات الله يشكرها *** والشرّ بالشرّ عند الله مثلان

وقيل هي الموصولة ، فيكون الحذف ، والإثبات جائزين ، والأوّل أولى . قال الزجاج : إثبات الفاء أجود ؛ لأن الفاء مجازاة جواب الشرط ، ومن حذف الفاء فعلى أن ما في معنى الذي ، والمعنى : الذي أصابكم وقع بما كسبت أيديكم . قال الحسن : المصيبة هنا الحدود على المعاصي ، والأولى الحمل على العموم كما يفيده وقوع النكرة في سياق النفي ، ودخول من الاستغراقية عليها { وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } من المعاصي التي يفعلها العباد ، فلا يعاقب عليها ، فمعنى الآية : أنه يكفر عن العبد بما يصيبه من المصائب ، ويعفو عن كثير من الذنوب . وقد ثبتت الأدلة الصحيحة أن جميع ما يصاب به الإنسان في الدنيا يؤجر عليه ، أو يكفر عنه من ذنوبه . وقيل : هذه الآية مختصة بالكافرين على معنى : أن ما يصابون به بسبب ذنوبهم من غير أن يكون ذلك مكفراً عنهم لذنب ، ولا محصلاً لثواب ، ويترك عقوبتهم عن كثير من ذنوبهم ، فلا يعاجلهم في الدنيا بل يمهلهم إلى الدار الآخرة . والأولى حمل الآية على العموم ، والعفو يصدق على تأخير العقوبة كما يصدق على محو الذنب ، ورفع الخطاب به . قال الواحدي : وهذه أرجى آية في كتاب الله ؛ لأنه جعل ذنوب المؤمنين صنفين : صنف كفره عنهم بالمصائب ، وصنف عفا عنه في الدنيا ، وهو كريم لا يرجع في عفوه ، فهذه سنّة الله مع المؤمنين . وأما الكافر ، فإنه لا يعجل له عقوبة ذنبه حتى يوافى به يوم القيامة .

/خ43