تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ} (30)

الآية 30 وقوله تعالى : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير } يحتمل ما ذكر من المصيبة التي تُصيبهم المصيبة التي تعمّ الخلق جميعا ممن كان منهم الزّلة وما ذكر من كسب اليد وممن لم يكن منهم كسب اليد من الزّلة والمعصية من نحو الجدب والقحط وغلبة الأعداء وغير ذلك من الأشياء التي تعمّ الخلائق ممن كان منهم الجناية وممن لم يكن من الصغار والدوابّ والأبرار والأخيار .

ويكون ما أصاب ممن كان ذلك منه ، واستوجبه تنبيها لهم وموعظة أو كفارة لما كان منهم من كسب اليد وما أصاب ذلك ممن لم يكن منهم ذلك من الصغار والأخيار ، فذلك في الحكمة . وهو يخرّج على وجهين :

أحدهما : يصيب ذلك لهم ابتلاء بشيء سبق منهم ليُعلم أن ما يعطيهم من السلامة والصحة والحسنات والخيرات كان فضلا منه ، وهم عبيده وإماؤه ومُلكه ، إن شاء أهلكهم ، وإن شاء أبقاهم .

[ والثاني ]{[18748]} : يفعل بهم ما ذكر ، وإن لم يسبق منهم ما ذكر من كسب اليد والزّلة لعِوض ، يعوّضهم في الآخرة .

وكيف ما كان فهو غير خارج عن الحكمة ، [ ولا يُلام للتعويض لأنه ]{[18749]} جائز ممكن ، لكن ليس بواجب ، لا محالة ، التعويض خلافا للمعتزلة فإنه{[18750]} عندهم واجب ، وبالله العصمة .

وجائز أن يكون ما ذكر من المصيبة التي تصيبهم بكسب اليد أن يريد كلا في نفسه ، يصيبه بما سبق منه من شيء ارتكبه ، واكتسبه . فالسبيل فيه أن ينظر كل في نفسه ما الذي سبق منه حتى أصابه ما أصاب ، فيراجع نفسه عن ذلك ، ويتوب إلى الله تعالى .

ثم يخرّج ذلك لهم إما تنبيها وزجرا عن المعاودة إلى مثله وإما تكفيرا وتمحيصا لما كان منهم ، ولزمهم الشكر على ذلك .

وقد رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( لا يصيب ابن آدم خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عِرق إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر ) [ السيوطي في الدر المنثور : 7/354 ] وعلى قول المعتزلة : ليس الله تعالى في إعطائهم الخيرات والحسنات والسّعة مُحسنا مفضّلا مُنعما لأن من أخذ شيئا بعِوض لا يوصف بالإفضال والإنعام [ بوجهين :

أحدهما : لقد ]{[18751]} سمّى نفسه بذلك مُحسنا مُنعما فيكون ما قالوا خلاف ذلك .

والثاني : إن كان يعوّض على ما يقولون يجب أن يعوّضهم عوضا ، يرضَون بذلك العوض ، ويكون ذلك العوض مثل ما أخذ منهم ، وهم لا يشترطون ذلك .

دلّ أن له أن يفعل لهم ما ذكرنا .

وأصله ما ذكرنا أن الخلق كلهم عبيده وإماؤه ، ولكل ذي مُلك أن يفعل في ملكه ما شاء ، لا لائمة عليه إن كان له حقيقة الملك . فعلى ذلك الله سبحانه وتعالى إذ له حقيقة ملك الأشياء له{[18752]} أن يفعل ما يشاء بلا عوض ولا بدل ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ويعفوا عن كثير } ليس أحد يصيبه شيء من الشدة والبلاء إلا ويكون في ذلك عفو منه ، جل جلاله ، لأنه ما من ألم إلا ويُتوهّم زيادة الألم في ذلك . فيكون منع تلك الزيادة عنه عفوا منه وفضلا .

وكذلك{[18753]} هذا في هلاك كل شيء ، من حقوقه ما يقلّ ، ويكثُر .

ويحتمل أن يكون قوله : { ويعفو عن كثير } أي لا بكل زلّة يكون مُؤاخذهم{[18754]} بها ، بل يؤاخذهم ببعض ، ويتجاوز عنهم [ في بعض ]{[18755]} والله أعلم .


[18748]:في الأصل وم: أو أن.
[18749]:في الأصل وم: والا يلام للتعويض.
[18750]:في الأصل وم: فإن.
[18751]:في الأصل وم: وقد.
[18752]:في الأصل وم: فله.
[18753]:في الأصل وم: ولذلك.
[18754]:في الأصل وم: يواخذ.
[18755]:من م، ساقطة من الأصل.