البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ} (30)

واحتمل ما أن تكون شرطية ، وهو الأظهر ، وأن تكون موصولة ، والفاء تدخل في خبر الموصول إذا أجري مجرى الشرط بشرائط ذكرت في النحو ، وهي موجودة .

وقرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو جعفر في رواية ، وشيبة : بما بغير فاء ، فما موصولة ، ولا يجوز أن تكون شرطية ؛ وحذفت الفاء لأن ذلك مما يخصه سيبويه بالشعر ، وأجازت ذلك الأخفش وبعض نحاة بغداد وذلك على إرادة الفاء .

وترتب ما أصاب من المصائب على كسب الأيدي موجود مع الفاء ودونها هنا ، والمصيبة : الرزايا والمصائب في الدنيا ، وهي مجازاة على ذنوب المرء وتمحيص لخطاياه ، وأنه تعالى يعفو عن كثير ، ولا يجازي عليه بمصيبة .

وفي الحديث : « لا يصيب ابن آدم خدش عود أو عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو عنه أكثر » وسئل عمران بن حصين عن مرضه فقال ؛ إن أحبه إليّ أحبه إلى الله ، وهذا مما كسبت يداي .

ورؤي على كف شريح قرحة ، فقيل : بم هذا ؟ فقال : بما كسبت يداي .

وقال الزمخشري : الآية مخصوصة بالمجرمين ، ولا يمتنع أن يستوفي الله عقاب المجرم ويعفو عن بعض .

فأما من لا جرم له ، كالأنبياء والأطفال والمجانين ، فهو كما إذا أصابهم شيء من ألم أو غيره ، فللعوض الموفي والمصلحة وعن علي : هذه أرجى آية للمؤمنين .

وقال الحسن : { من مصيبة } : أي حد من حدود الله ، وتلك مصائب تنزل بشخص الإنسان ونفسه ، فإنما هي بكسب أيديكم .

{ ويعفوا } الله { عن كثير } ، فيستره على العباد حتى لا يحد عليه .