قوله تعالى : { وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية } . سميت القرية لأنها تجمع أهلها ، ومنه المقرأة للحوض ، لأنها تجمع الماء ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : هي أريحاء ، وهي قرية الجبارين كان فيها قوم من بقية عاد يقال لهم العمالقة ورأسهم عوج بن عنق ، وقيل : بلقاء ، وقال مجاهد : بيت المقدس ، وقال الضحاك : هي الرملة والأردن وفلسطين وتدمر ، وقال مقاتل : إيليا ، وقال ابن كيسان : الشام .
قوله تعالى : { وكلوا منها حيث شئتم رغداً } . موسعاً عليكم .
قوله تعالى : { وادخلوا الباب } . يعني باباً من أبواب القرية وكان لها سبعة أبواب .
قوله تعالى : { سجداً } . أي ركعاً خضعاً منحنين ، وقال وهب : فإذا دخلتموه فاسجدوا شكراً لله تعالى ، قال قتادة : حط عنا خطايانا ، أمروا بالاستغفار ، وقال ابن عباس : لا إله إلا الله ، لأنها تحط الذنوب ، ورفعها على تقدير : قولوا مسألتنا حطة .
قوله تعالى : { نغفر لكم خطاياكم } . من الغفر وهو الستر ، فالمغفرة تستر الذنوب ، وقرأ نافع بالياء وضمها وفتح الفاء ، وقرأها ابن عامر بالتاء وضمها وفتح الفاء ، وفي الأعراف قرأ جميعاً و يعقوب بالتاء وضمها ، وقرأ الآخرون فيهما بنصب النون وكسر الفاء .
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ( 58 )
و { القرية } المدينة تسمى بذلك لأنها تقرت أي اجتمعت ، ومنه قريت الماء في الحوض أي جمعته( {[640]} ) ، والإشارة بهذه إلى بيت المقدس في قول الجمهور . وقيل إلى أريحا ، وهي قريب من بيت المقدس .
قال عمر بن شبة( {[641]} ) : كانت قاعدة ومسكن ملوك ، ولما خرج ذرية بني إسرائيل من التيه أمروا بدخول القرية المشار إليها ، وأما الشيوخ فماتوا فيه ، وروي أن موسى صلى الله عليه وسلم مات في التيه ، وكذلك هارون عليه السلام .
وحكى الزجاج عن بعضهم أن موسى وهارون لم يكونا في التيه( {[642]} ) لأنه عذاب ، والأول أكثر ، و { كلوا } إباحة ، وقد تقدم معنى الرغد ، وهي( {[643]} ) أرض مباركة عظيمة الغلة ، فلذلك قال { رغداً } .
و { الباب } قال مجاهد : هو باب في مدينة بيت المقدس يعرف إلى اليوم بباب حطة ، وقيل هو باب القبة التي كان يصلي إليها موسى صلى الله عليه وسلم .
وروي عن مجاهد أيضاً : أنه باب في الجبل الذي كلم عليه موسى كالفرضة( {[644]} ) .
و { سجداً } قال ابن عباس رضي الله عنه : معناه ركوعاً( {[645]} ) ، وقيل متواضعين خضوعاً لا على هيئة معينة ، والسجود يعم هذا كله لأنه التواضع ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]
ترى الأكم فيه سجُّداً للحوافر( {[646]} )
وروي أن الباب خفض لهم ليقصر ويدخلوا عليه متواضعين ، و { حطة } فعلة من حط يحط ، ورفعه على خبر ابتداء ، كأنهم قالوا سؤالنا حطة لذنوبنا ، هذا تقدير الحسن بن أبي الحسن .
وقال الطبري : التقدير دخولنا الباب كما أمرنا حطة ، وقيل أمروا أن يقولوا مرفوعة على هذا اللفظ .
وقال عكرمة وغيره : أمروا أن يقولوا لا إله إلا الله لتحط بها ذنوبهم .
وقال ابن عباس : قيل لهم استغفروا وقولوا ما يحط ذنوبكم .
وقال آخرون : قيل لهم أن يقولوا هذا الأمر حق كما أعلمنا . وهذه الأقوال الثلاثة تقتضي النصب .
وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة : «حطة » بالنصب( {[647]} ) .
وحكي عن ابن مسعود وغيره : أنهم أمروا بالسجود وأن يقولوا { حطة } فدخلوا يزحفون على أستاههم( {[648]} ) ويقولون حنطة حبة حمراء في شعرة ، ويروى غير هذا من الألفاظ .
وقرأ نافع : «يُغفر » بالياء من تحت مضمومة .
وقرأ ابن عامر : «تُغفر » بالتاء من فوق مضمومة .
وقرأ أبو بكر عن عاصم : «يَغفر » بفتح الياء على معنى يغفر الله .
وقرأ الباقون : «نغفر » بالنون .
وقرأت طائفة «تغفر » كأن الحطة( {[649]} ) تكون سبب الغفران ، والقراء السبعة على { خطاياكم } ، غير أن الكسائي كان يميلها .
وقرأ الجحدري : «تُغفر لكم خطيئتُكُمْ » بضم التاء من فوق وبرفع الخطيئة .
وقرأ الأعمش : «يغفر » بالياء من أسفل مفتوح «خطيئتَكُم » نصباً .
وقرأ قتادة مثل الجحدري ، وروي عنه أنه قرأ بالياء من أسفل مضمومة خطيئتكم رفعاً .
وقرأ الحسن البصري : «يغفر لكم خطيئاتِكم » أي يغفر الله .
وقرأ أبو حيوة : «تغفر » بالتاء من فوق مرفوعة «خطيئاتُكم » بالجمع ورفع التاء .
وحكى الأهوازي( {[650]} ) : أنه قارىء «خطأياكم » يهمز الألف الأولى وسكون الآخرة . وحكي أيضاً أنه قرىء بسكون الأولى وهمز الآخرة .
قال الفراء : خطايا جمع خطية بلا همز كهدية وهدايا ، وركية وركايا .
وقال الخليل( {[651]} ) : هو جمع خطيئة بالهمز ، وأصله خطايىء قدمت الهمزة على الياء فجاء خطائي أبدلت الياء ألفاً بدلاً لازماً فانفتحت الهمزة التي قبلها فجاء خطاءا ، همزة بين ألفين ، وهي من قبيلهما فكأنها ثلاث ألفات ، فقلبت الهمزة فجاء خطايا .
قال سيبويه : «أصله خطايىء همزت الياء كما فعل في مدائن وكتائب فاجتمعت همزتان فقلبت الثانية ياء ، ثم أعلت على ما تقدم » .
وقوله تعالى : { وسنزيد المحسنين } عدة ، المعنى إذا غفرت الخطايا بدخولكم وقولكم زيد بعد ذلك لمن أحسن ، وكان من بني إسرائيل من دخل كما أمر وقال لا إله إلا الله فقيل هم المراد ب { المحسنين } هنا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.