فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (58)

58

{ رغدا } كثيرا واسعا . { حطة } احطط عنا ذنوبنا .

{ نغفر } نصفح ونستر . { خطاياكم } جمع خطية وهي السيئة والمعصية .

{ وسنزيد المحسنين } نزيد من صدق يقينهم واستقام سعيهم إحسانا على إحسانهم .

{ وإذ } منصوبة{[287]} بفعل تقديره اذكر { قلنا } لعل القول قال موسى عليه السلام لكنه المولى سبحانه لأنه جل علاه هو الآمر به وهو موحيه ويمكن أن يقال هذا في الأوامر التي تضمنتها القصة مما سبق ومما سيأتي { ادخلوا هذه القرية } اقتحموها وأخرجوا منها من غلب عليها من الكفرة ؛ والقرية : المدينة {[288]} من قرية إذا جمعت سميت بذلك لأنها تجمع الناس عن الطريق المساكنة واختلف في ذلك تعيينها لكن الذي عليه الجمهور ما نقل عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما أنها بيت المقدس{[289]} وجائز أن يكون طلب الدخول هو ما نادوا به في آيات سورة المائدة : { يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين ){[290]} فعصوا ونكلوا عن إخراج العماليق الكفار منها وقالوا ما بينه كتاب الله : { . . . فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون }{[291]} فحرمها سبحانه عليهم أربعين سنة وقضى عليهم بالتيه في تلك المدة فقضوها بين الجبال جزاء لهم على مروقهم وفسوقهم بينما ذهب بعض المفسرين إلى أن الأمر بدخول القرية الوارد في هذه الآية الكريمة من سورة البقرة إنما هو أمر إباحة ونودوا إليه بعد التيه { فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين } أذن الله تعالى لهم إذ دخلوا القرية الموعودة أن يأكلوا من ثمرات زرعها ومما يتيسر لهم في شتى أرجائها من خير كثير واسع وعهد إليهم سبحانه أن يدخلوا باب هذه المدينة منحنين ركوعا كما نقل عن ابن عباس وأمروا أن يسألوا المولى أن يحط عنهم خطاياهم ( وحاصل الأمر أنهم أمروا أن يخضعوا لله تعالى عند الفتح والفعل والقول وأن يعترفوا بذنوبهم ويستغفروا منها ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يظهر عليه الخضوع جدا عند النصر كما روى أنه يوم الفتح -فتح مكة- داخلا إليها من الثنية العليا وإنه لخاضع إلى ربه حتى إن عثنونه{[292]} ليمس مورك {[293]} رحله شكرا لله على ذلك ){[294]} { نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين } أي إذا فعلتم ما أمرناكم به من الدخول إلى القرية خاضعين مستغفرين غفرنا لكم السيئات وضاعفنا لكم الحسنات ؛ و{ نغفر } مجزوم لأنه جواب الأمر وجزاؤه ؛ { وسنزيد } معطوف على { نغفر } ولم ينجزم لأن السين تمنع الجزاء عن قبول الجزم ومفعول { سنزيد } محذوف والتقدير ثوابا .


[287]:ونصبها على الظرفية عند سيبويه وعلى المفعولية عند الأخفش
[288]:ونقل الألوسي قولا لا يفرق بينهما وحاصله أن القرية تضم جمعا قليلا من السكان فإن كثروا فهي مدينة.
[289]:وهناك من يقول هي أرصفاء أ والرملة إلى غير ذلك.
[290]:سورة المائدة الآية 21.
[291]:سورة المائدة من الآية 24.
[292]:العثنون من اللحية: ما نبت على الذقن وتحته سفلا.
[293]:قال أبو عبيدة: المورك: الموضع الذي يثني الراكب رجليه على قدام واسطة الرحل إذا مل من الركوب
[294]:ما بين العلامتين () مما أورد صاحب تفسير القرآن العظيم – إسماعيل بن كثير-.