غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (58)

58

التفسير : القرية مجتمع الناس من قرأت الماء في الحوض أي جمعت . وبهذا الاعتبار كثيراً ما تطلق القرية على البلدة ، والجمع القرى على غير قياس . وإنما قياسه من المعتل اللام " فعال " نحو : ركوة وركاء ، وظبية وظباء ، والنسبة إليها قروي . وهو على القياس عند يونس حيث قال : ظبوي في النسبة إلى ظبية ، وعلى خلاف القياس عند الخليل وسيبويه حيث يقولان : ظبي على مثال الصحيح . والقرية بيت المقدس ، وقيل : أريحاء من قرى الشام . أمروا بدخولها بعد التيه . والباب باب القرية ، وقيل : باب القبة التي كانوا يصلون إليها وهم لم يدخلوا بيت المقدس في حياة موسى ، أمروا بالسجود عند الانتهاء إلى الباب تواضعاً وشكراً لله تعالى . وقيل : السجود أن ينحنوا ويتطامنوا داخلين ليكون دخولهم بإخبات وخشوع . وقيل : طؤطئ لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم فلم يخفضوا ودخلوا متزحفين على أوراكهم من الزحف وهو المشي على الأوراك . و{ حطة } فعلة من الحط كالجلسة خبر مبتدأ محذوف أي مسألتنا حطة ، أو أمرك وأصله النصب معناه : اللهم حط عنا ذنوبنا حطة ، فرفعت لإفادة الثبوت كقوله :

شكا إليّ جملي طول السرى *** يا جملي ليس إليّ المشتكى

صبر جميل فكلانا مبتلى *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأصل صبراً أي أصبر صبراً . كان القوم أمروا أن يدخلوا الباب على وجه الخضوع ، وأن يذكروا بلسانهم التماس حط الذنوب حتى يكونوا جامعين بين ندم القلب وخضوع الجوارح والاستغفار باللسان ، وذلك أن التوبة صفة القلب فلا يطلع الغير عليها ، فإذا اشتهر واحد بالذنب ثم تاب بعده لزمه أن يحكي توبته لمن شاهد منه الذنب ، لا لأن التوبة لا تتم إلا به إذ الأخرس تصح توبته وإن لم يوجد منه الكلام ، بل لأجل تعريف الغير عدوله عن الذنب إلى التوبة ولإزالة التهمة عن نفسه ، وكذا من عرف بمذهب خطأ ثم تبين له الحق ، فإنه يلزمه أن يعرّف إخوانه الذين عرفوه بالخطأ عدوله عنه لتزول التهمة عنه في الثبات على الباطل ، وليعودوا إلى موالاته بعد معاداته ويحسنوا الظن به . وعن أبي مسلم الأصفهاني : أن معناه أمرنا حطة أي أن نحط في هذه القرية ونستقر فيها . وأصل الغفر الستر والتغطية . ومعنى القراءات في { نغفر لكم } واحد ، لأن الخطيئة إذا غفرها الله تعالى فقد غفرت ، وإذا غفرت فإنما يغفرها الله . والفعل إذا تقدم الاسم المؤنث وحال بينه وبين الفاعل حائل جاز التذكير والتأنيث . والخطء الذنب قال تعالى { إن قتلهم كان خطأ كبيراً } [ الإسراء : 31 ] تقول منه خطئ يخطأ خطأً وخطأة على فعلة . والاسم الخطيئة على " فعيلة " وجمعها خطايا وأصله خطايء بياء ثم همز ، أبدلت الهمزة ألفاً فانفتحت الياء لأجلها .

{ وسنزيد المحسنين } المفعول الثاني محذوف للعلم به ولمكان الفاصلة أي سنزيدهم إحساناً أو ثواباً أو سعة ، وذلك أن المراد من المحسنين إما من هو محسن بالطاعة في هذا التكليف ، وإما من هو محسن بطاعات أخرى في سائر التكاليف . وعلى الأول فالزيادة الموجودة إما منفعة دنيوية ، فالمعنى أن المحسن بهذه الطاعة نزيده سعة في الدنيا ونفتح عليه قرى غير هذه القرية ، وإما منفعة دينية أي المحسن بهذا نزيده على غفران الذنوب ثواباً جزيلاً . وعلى الثاني فالمعنى أنّا نجعل دخولكم الباب سجداً وقولكم { حطة } مؤثراً في غفران الذنوب ، ثم إن أتيتم بعد ذلك بطاعات أخرى زدناكم ثواباً . ويحتمل أن يكون المراد أنهم صنفان : فمن مخطئ تصير الكلمة سبباً لغفرانه ، ومن محسن تصير سبباً لزيادة ثوابه .