السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (58)

{ وإذ قلنا } لهم بعد خروجهم من التيه { ادخلوا هذه القرية } أي : بيت المقدس كما قاله مجاهد ، أو أريحاء بفتح الهمزة وكسر الراء وبالحاء المهملة كما قاله ابن عباس وهي قرية الجبارين كان فيها قوم من بقية عاد يقال لهم : العمالقة ورأسهم عوج بن عنق ، قال ابن الأثير وهي قرية بالغور قريبة من بيت المقدس ، وقيل : البلقاء ، وقيل : الرملة والأردن وفلسطين ، وقيل : الشام . سميت القرية قرية لأنها تجمع أهلها ومنه المقرّة للحوض لأنها تجمع الماء { فكلوا منها حيث شئتم رغداً } أي : واسعاً لا حجر فيه { وادخلوا الباب } أي : باب من أبواب القرية وكان لها سبعة أبواب { سجداً } أي : متطامنين منحنين أو ساجدين السجود الشرعيّ لله شكراً على إخراجكم من التيه { وقولوا } مسألتنا { حطة } أي : أن تحط عنا خطايانا ، قال قتادة : أمروا بالاستغفار ، وقال ابن عباس : بلا إله إلا الله لأنها تحط الذنوب ، وقيل : معناه أمرنا حطة أي : شأننا أن نحط في هذه القرية ونقيم فيها حتى ندخل الباب سجداً مع التواضع { نغفر لكم خطاياكم } بسجودكم ودعائكم . وقرأ نافع بباء مضمومة على التذكير مع فتح الفاء ، وقرأ ابن عامر تغفر بتاء مضمومة على التأنيث مع فتح الفاء أيضاً ، وقرأ الباقون بالنون مفتوحة مع كسر الفاء ، وقرأ الكسائي خطاياكم بالإمالة ، وورش بالفتح وبين اللفظين ، والباقون بالفتح .

{ وسنزيد المحسنين } بالطاعة ثواباً جعل الله تعالى امتثال قوله : { قولوا حطة } توبة للمسيء وسبب زيادة الثواب للمحسنين .

فإن قيل : كيف عطف وسنزيد مع أنه مرفوع على نغفر مع أنه مجزوم جواباً للأمر ؟ أجيب : بأنه أخرجه عن صورة الجواب إلى الوعد إيهاماً بأنّ المحسن بصدد ذلك وإن لم يفعله فكيف إذا فعله وإنه يفعل لا محالة ، وسبب إخراج ما ذكر عن صورة الجواب إلى الوعد أنّ الزيادة إذا كانت من وعد الله كانت أعظم مما إذا كانت مسببة عن فعلهم .