بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (58)

ثم قال تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا ادخلوا هذه القرية } ، قال الكلبي : يعني أريحا . وقال مقاتل : إيليا . ويقال : هذا كان بعد موت موسى عليه السلام وبعد مضي أربعين سنة ، حيث أمر الله تعالى يوشع بن نون وكان خليفة موسى عليهما السلام بأن يدخل مع قومه المدينة ، فقال لهم يوشع بن نون : ادخلوا الباب سجداً ، يعني إذا دخلتم من باب المدينة فادخلوا ركعاً منحنين ناكسي رؤوسكم متواضعين ، فيقوم ذلك منكم مقام السجود وذلك قوله تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا ادخلوا هذه القرية } ، يعني أريحا أو إيليا .

{ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا } ، موسعاً عليكم { وادخلوا الباب سُجَّدًا } ، أي ركعاً منحنين { وَقُولُواْ حِطَّةٌ } . قرأ بعضهم بالرفع وبعضهم بالنصب وهي قراءة شاذة ، وإنما جعله نصباً لأنه مفعول . ومن قرأ بالرفع معناه وقولوا حطة . وروي عن قتادة أنه قال : تفسير { حِطَّةٌ } ، يعني حطّ عنا خطايانا . وقال بعضهم : معناه لا إله إلا الله . وقال بعضهم : بسم الله . وقال بعضهم : أمروا بأن يقولوا بهذا اللفظ ولا ندري ما معناه .

ثم قال : { نَّغْفِرْ لَكُمْ خطاياكم } ، قرأ ابن عامر ومن تابعه من أهل الشام { تَغْفِرْ } بالتاء والضمة ، لأن لفظ الخطايا مؤنث . وقرأ نافع ومن تابعه من أهل المدينة { يَغْفِرُ لكم خطاياكم } بالياء والضمة بلفظ التذكير ، لأن تأنيثه ليس بحقيقي ولأن الفعل مقدم . وقرأ الباقون بالنون وكسر الفاء على معنى الإضافة إلى نفسه وذلك كله يرجع إلى معنى واحد ، ومعناه نغفر لكم خطايا الذين عبدوا العجل . { وَسَنَزِيدُ المحسنين } ، أي سنزيد في إحسان من لم يعبد العجل . ويقال : نغفر خطايا من رفع المن والسلوى للغد ، وسنزيد في إحسان من لم يرفع إلى الغد . ويقال : نرفع خطايا من هو عاصٍ ، وسنزيد في إحسان من هو محسن . فلما دخلوا الباب خالفوا أمره . وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنَّهُمْ دَخَلُوا البَابَ يَزْحَفُونَ " وروى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال : دخلوا على أستاههم . ويقال : دخلوا منحرفين على شق وجوههم ، وقالوا : «احنطا سمفانا » يعني حنطة حمراء ، بلغة القبط استهزاء وتبديلاً ، وإنما قال ذلك سفهاؤهم ، فذلك قوله تعالى : { فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ } .