تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (58)

تبديل القول

( وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين ( 58 ) فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ( 59 ) (

المفردات :

القرية : لغة مجتمع الناس ومسكن النمل ، ثم غلب استعمالها في البلاد الصغيرة ، وليس ذلك المراد هنا بل المراد المدينة الكبيرة ؛ لأن الرغد لا يتسنى إلا فيها .

الرغد : الهنىء ذو السعة .

والباب : هو أحد أبواب بيت المقدس ويدعى الآن ( باب حطة )

وسجدا : أي ناكسي الرؤوس .

والمحسن : من فعل ما يجمل في نظر العقل ويحمد في لسان الشرع .

58

التفسير :

اذكروا يا بني إسرائيل لتتعظوا وتعتبروا وقت أن أمرنا أسلافكم بدخول بيت المقدس بعد خروجهم من التيه . وأبحنا لهم أن يأكلوا من خيرات هذه البلدة أكلا هنيئا ذا سعة ، وقلنا لهم : ادخلوا من بابها راكعين شكرا لله على ما أنعم به عليكم من نعمة فتح الأرض المقدسة متوسلين إليه سبحانه بأن يحط عنكم ذنوبكم ، فإن فعلتم ذلك العمل اليسير وقلتم هذا القول القليل غفرنا لكم ذنوبكم وكفرنا عنكم سيئاتكم ، وزدنا المحسن منكم خيرا جزاء إحسانه ، ولكنهم جحدوا نعم الله وخالفوا أوامره ، فبدلوا بالقول الذي أمرهم الله به قولا آخر أتوا به من عند أنفسهم على وجه العناد والاستهزاء فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون .

وقوله تعالى : فكلوا من حيث شئتم رغدا فيه إشعار بكمال النعمة عليهم واتساعها وكثرتها حيث أذن لهم في التمتع بثمرات القرية وأطعمتها من أي مكان شاءوا .

وقوله تعالى : وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة . إرشاد لهم إلى ما يجب عليهم نحو خالقهم من الشكر والخضوع ، وتوجيههم إلى ما يعنيهم على بلوغ غايتهم ، بأيسر الطرق وأسهل السبل ، فكل ما كلفوا به أن يدخلوا من باب المدينة التي فتحها الله لهم خاضعين مخبتين ، وأن يضرعوا إليه بأن يحط عنهم آثامهم ويمحو سيئاتهم .

وقوله تعالى : نغفر لكم . بيان للثمرة التي تترتب على طاعتهم لله .

قال الإمام ابن جرير : نغفر لكم خطاياكم . أي نتغمد لكم بالرحمة خطاياكم ونسترها عليكم ، فلا نفضحكم بالعقوبة عليها ، وأصل الغفر التغطية والستر ، فكل ساتر شيئا فهو غافر ، والخطايا جمع خطية بغير همز كالمطايا جمع مطية( 154 ) .

وسنزيد المحسنين أي وسنزيد المحسنين ثوابا من فضلنا ، وقد أمرهم بشيئين : عمل يسير وقول صغير ، ووعدهم بغفران السيئات وزيادة الحسنات .

وقد أمرهم سبحانه أن يدخلوا باب المدينة التي فتحوها خاضعين وأن يلتمسوا منه مغفرة خطاياهم ، ولأن تغلبهم على أعدائهم ، ودخولهم الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم نعمة من أجل النعم وهي تستدعي منهم أن يشكروا الله بالقول والفعل ، لكي يزيدهم من فضله ، فشأن الأخيار أن يقابلوا نعم الله بالشكر .

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يظهر أقصى درجات الخضوع لله تعالى عند النصر والظفر وبلوغ المطلوب .

فعندما تم له فتح مكة دخلها على راحلته حتى أوشك أن يسجد عليها وهو يقول : " تائبون آيبون حامدون لربنا شاكرون " ( 155 ) .