الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (58)

وقوله تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا ادخلوا هذه القرية فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وادخلوا الباب سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ المحسنين فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السماء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ وَإِذِ استسقى موسى لِقَوْمِهِ }[ البقرة :58و59و60 ] .

{ القَرْيَةَ } : المدينةُ ، سمِّيت بذلك لأنها تَقَرَّتْ أي : اجتمعت ، ومنه : قَرَيْتُ المَاءَ في الحَوْضِ ، أي : جمعته ، والإِشارة بهذه إِلى بيت المقْدِسِ في قول الجمهور ، وقيل : إلى أَرِيحَاء ، وهي قريبٌ من بيت المَقْدِس ، قال عمر بن شَبَّة : كانت قاعدةً ومسْكنَ ملوكٍ ولما خرج ذريةُ بني إِسرائيل من التِّيه ، أُمِرُوا بدخول القرية المشار إِلَيْها ، وأما الشيوخ فماتوا فيه ، وروي أن موسى وهارون عليهما السلام ماتا في التِّيه ، وحكى الزجَّاج عن بعضهم أنهما لم يكونا في التِّيه لأنه عَذَابٌ والأول أكْثَرُ .

( ت ) لكن ظاهر قوله : { فافرق بَيْنَنَا وَبَيْنَ القوم الفاسقين } [ المائدة : 25 ] يقوِّي ما حكاهُ الزجَّاج ، وهكذا قال الإِمام الفَخْر . انتهى .

وَ{ كُلُواْ } إِباحة ، وتقدَّم معنى الرَّغَد ، وهي أرض مباركة عظيمة الغَلَّة ، فلذلك قال : { رَغَدًا } .

والباب ، قال مجاهد : هو باب في مدينة بَيْت المَقْدِسِ يُعْرَفُ إِلى اليوم بباب حِطَّة ، و{ سُجَّدًا } قال ابن عبَّاس معناه : ركوعاً ، وقيل : متواضعين خضوعاً ، والسجودُ يعم هذا كلَّه ، و{ حِطَّة } فِعْلَةٌ من حَطَّ يَحُطُّ ، ورفعه على خبر ابتداء كأنهم قالوا سؤالُنَا حِطَّة لذنُوبِنَا ، قال عكرمة وغيره : أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوا : «لا إِله إِلاَّ اللَّهُ » لتحطَّ بها ذنوبُهُمْ ، وقال ابن عَبَّاس : قيل لهم : استغفروا ، وقولوا ما يحطُّ ذنوبكم .

( ت ) قال أحمد بن نصرٍ الدَّاوُدِيُّ في «تفسيره » : " وَرُوِيَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سَارَ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي سَفَرٍ ، فَقَالَ : قُولُوا : نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ ، فَقَالُوا ذَلِكَ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ ، إِنَّهَا للْحِطَّةُ الَّتِي عُرِضَتْ على بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمْ يَقُولُوهَا " انتهى .

وحكي عن ابن مَسْعود وغيره ، أنهم أمروا بالسُّجود ، وأن يقولوا : حِطَّةٌ ، فَدَخَلُوا يزْحفُونَ على أَسْتَاِهِمْ ، ويَقُولُونَ : حِنْطَةٌ حَبَّةٌ حَمْرَاءُ فِي شَعْرَةٍ ويروى غير هذا من الألفاظ .

وقوله تعالى : { وَسَنَزِيدُ المحسنين }[ البقرة :59 ] .

عِدَةٌ المعنى : إِذا غُفِرَتِ الخطايا بدخولكم ، وقولِكُمْ زِيدَ بعد ذلك لمن أحسن ، وكان من بني إسرائيل من دخل كما أُمِرَ ، وقال : لا إله إلا اللَّه ، فقيل : هم المراد ب { المحسنين } هنا .