الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا} (36)

ثم قال تعالى : { وما كان لمومن ولا مومنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم } أي : أن يتخيروا من ( أمرهم غير ) {[55529]} الذي قضى الله ورسوله ، ويخالفوا ( ذلك ) {[55530]} فيعصونهما ، { ومن يعص الله ورسوله } أي : فيما أمر أو نهي .

{ فقد ضل ضلالا مبينا } {[55531]} أي : جار عن قصد السبيل ، وسلك غير طريق الهدى .

ويروى أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش حين خطبها رسول الله على فتاه زيد بن حارثة فامتنعت من إنكاحه ( نفسها ) {[55532]} {[55533]} .

قال ابن عباس : خطبها رسول الله على فتاه زيد بن حارثة فقالت : لست بناكحته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بلى فانكحيه فقالت يا رسول الله/ أؤامر نفسي ؟ فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسوله فقالت رضيته/ لي يا رسول الله منكحا ، قال : نعم ، قالت : إذا لا أعصي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد أنكحته نفسي " {[55534]} .

قال قتادة : لما أخطب رسول الله زينب بنت جحش وهي بنت عمته ، ظنت أنه يريدها لنفسه ، فلما علمت أنه يريدها لزيد امتنعت فأنزل الله : { وما كان لمومن } الآية ، فأطاعت وسلمت {[55535]} .

وقيل : نزلت في [ أم كلثوم ] {[55536]} بنت عقبة بن أبي معيط وذلك أنها وهبت نفسها للنبي فزوجها زيد بن حارثة قاله بن زيد {[55537]} .

قال : وكانت أول من هاجر من النساء ، فوهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : قد قبلت ، فزوجها زيد بن حارثة ، فسخطت هي وأخوها وقالا : إنما أردنا رسول الله فزوجنا عبده ، فنزلت الآية {[55538]} .

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطبها لزيد قالت : لا أرضى به ، وأن أيم {[55539]} نساء قريش ، فقال لها النبي عليه السلام : قد رضيته لك ، فأبت عليه فنزلت الآية ، فرضيت به وجعلت أمرها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنكحها من زيد بن حارثة ، فمكثت عند زيد ما شاء الله ، ثم أتاه رسول الله زائرا له فأبصرها قائمة فأعجبته ، فقال : سبحان الله مقلب القلوب ، فرأى زيد أن رسول الله قد هويها ، فقال : يا رسول الله ائذن لي في طلاقها ، فإن بها كبرة وأنها تؤذيني بلسانها ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اتق الله وأمسك عليك زوجك " {[55540]} ، وفي قلبه ما في قلبه ، ثم إن زيدا طلقها بعد ذلك ، فلما انقضت عدتها أنزل الله نكاحها من السماء على رسوله وأنزل عليه الآيات : { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه } إلى : { مقدورا } {[55541]} .

وعن عائشة أنها قالت : " لو كتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا مما أنزل عليه لكتم هذه الآية {[55542]} .

قال أنس : " لما انقضت عدة زينب من زيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد : اذكرني لها ، فانطلق زيد إلى زينب فقال لها : أبشري أرسل رسول الله يذكرك ، فقالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر {[55543]} ربي فقامت إلى مسجدها {[55544]} وصلت ونزل القرآن على رسوله : { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها } الآيتان . فجاء إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل عليها بغير إذنها {[55545]} .

وروي أنها كانت تقول لرسول الله : لست كأحد من النساء لأن الله زوجنيك .


[55529]:متآكل في ج
[55530]:مثبت في طرة ج
[55531]:متآكل في ج
[55532]:متآكل في ج
[55533]:هذا القول منسوب إلى ابن عباس ومجاهد وقتادة: انظر: جامع البيان 22/11، وأحكام ابن العربي 3/1540، والجامع للقرطبي 14/187 ولباب النقول: 178
[55534]:أورده الطبري في جامع البيان 22/11، وابن كثير في تفسيره 3/490، والسيوطي في الدر المنثور 6/609
[55535]:انظر: جامع البيان 22/11 والمحرر الوجيز 13/75، والجامع للقرطبي 14/187، ومجمع الزوائد للهيثمي: كتاب التفسير سورة الأحزاب 7/95، وتفسير ابن كثير 3/490، والدر المنثور 6/610 ولباب النقول 178
[55536]:في الأصل "أم مكتوم" وهو خطأ وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط صحابية أسلمت بمكة قبل الهجرة، ثم هاجرت وبايعت فهي من المبايعات المهاجرات وفيها نزلت: {إذا جاءكم المومنات مهاجرات} وهي أخت عثمان لأمه. انظر: الاستيعاب 4/1963، 4203.
[55537]:انظر: الجامع للقرطبي 22/10 والمحرر الوجيز 13/75، وأحكام ابن العربي 3/1539، وزاد المسير 6/385، والجامع للقرطبي 14/186 وتفسير ابن كثير 3/490، والدر المنثور 6/610
[55538]:انظر: جامع البيان 22/12، والمحرر الوجيز 1/75 وتفسير ابن كثير 3/490، والدر المنثور 6/610 ولباب النقول 179
[55539]:الأيم من النساء هي التي لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا، وقيل: هي الحرة، انظر: اللسان مادة "أيم" 12/40 ـ41
[55540]:أخرجه أحمد في مسنده عن أنس 3/150
[55541]:الأحزاب الآيتين 37، و 38، وهو قوله تعالى: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا، ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا}.
[55542]:انظر: أحكام ابن العربي 3/1543
[55543]:أي: أستخيره في هذا الخصوص
[55544]:أي موضع صلاتها من بيتها لأجل صلاة الاستخارة.
[55545]:أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب النكاح باب زواج زينب بنت جحش 4/148، والنسائي في سننه كتاب النكاح، باب صلاة المرأة إذا خطبت واستخارتها ربها 6/79 وكذلك في تفسيره 2/278 وأحمد في مسنده 3/195 وابن كثير في تفسيره 3/492