تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا} (36)

{ وما كان لمؤمن } يعني عبد الله بن جحش بن رباب بن صبرة بن مرة بن غنم بن دودان الأسدي ، ثم قال :{ ولا مؤمنة } يعني زينب بنت جحش أخت عبد الله بن جحش ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب زينب بنت جحش على زيد بن حارثة ، وزينب هي بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي بنت أميمة بنت عبد المطلب ، فكره عبد الله أن يزوجها من زيد ، وكان زيد أعرابيا في الجاهلية مولى في الإسلام ، وكان أصابه النبي صلى الله عليه وسلم من سبي أهل الجاهلية ، فأعتقه وتبناه ، فقالت زينب : لا أرضاه لنفسي ، وأنا أتم نساء قريش ، وكانت جميلة بيضاء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لقد رضيته لك" ، فأنزل الله عز وجل :{ وما كان لمؤمن } يعني عبد الله بن جحش ، { ولا مؤمنة } يعني زينب { إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } وذلك أن زيد بن حارثة الكلبي ، قال : يا نبي الله ، أخطب علي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" ومن يعجبك من النساء" ؟ فقال : زينب بنت جحش ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لقد أصبت أن لا نألو غير الحسن والجمال ، وما أذادها بفعل أنها أكرم من ذلك نفسا" ، فقال زيد : يا نبي الله ، إنك إذا كلمتها ، وتقول : عن زيدا أكرم الناس علي ، فإن هذه امرأة حسناء ، وأخشى أن تردني ، فذلك أعظم في نفسي من كل شيء ، وعمد زيد إلى علي ، رضي الله عنه ، فحمله على أن يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له زيد : انطلق إلى النبي ، فإنه لن يعصيك ، فانطلق علي معه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فإني فاعل ، وإني مرسلك يا علي إلى أهلها ، فتكلمهم ، فرجع على النبي صلى الله عليه وسلم إني قد رضيته لكم ، وأقضى أن تنكحوه فأنكحوه .

وساق إليهم عشرة دنانير وستين درهما وخمارا وملحفة ودرعا وإزارا ، وخمسين مدا من طعام وعشرة أمداد من تمر أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك كله ، ودخل بها زيد ، فلم يلبث إلا يسيرا حتى شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما يلقى منها ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فوعظها ، فلما كلمها أعجبه حسنها وجمالها وظرفها ، وكان أمرا قضاه الله عز وجل ، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم وفي نفسه منها ما شاء الله عز وجل ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل زيدا بعد ذلك كيف هي معك ؟ فيشكوها إليه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" اتق الله وأمسك عليك زوجك" ، وفي قلبه غير ذلك ، فأنزل الله عز وجل { ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا } آية يعني بينا ، فلما نزلت هذه الآية جعل عبد الله بن جحش أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالت زينب للنبي صلى الله عليه وسلم : قد جعلت أمري بيدك يا رسول الله ، فأنكحها النبي صلى الله عليه وسلم زيدا ، فمكثت عنده حينا ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أتى زيدا فأبصر زينب قائمة ، وكانت حسناء بيضاء من أتم نساء قريش ، فهويها النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال :" سبحان الله مقلب القلوب" ، ففطن زيد ، فقال : يا رسول الله ، ائذن لي في طلاقها ، فإن فيها كبرا ، تعظم علي وتؤذيني بلسانها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أمسك عليك زوجك واتق الله" ، ثم إن زيدا طلقها بعد ذلك .