فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا} (36)

{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة مِنْ أَمْرِهِمْ } أي ما صحّ ولا استقام لرجل ولا امرأة من المؤمنين ، ولفظ ما كان وما ينبغي ونحوهما معناها : المنع والحظر من الشيء والإخبار بأنه لا يحل أن يكون شرعاً ، وقد يكون لما يمتنع عقلاً كقوله : { مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا } [ النمل : 60 ] ومعنى الآية : أنه لا يحلّ لمن يؤمن بالله إذا قضى الله أمراً أن يختار من أمر نفسه ما شاء ، بل يجب عليه أن يذعن للقضاء ، ويوقف نفسه تحت ما قضاه الله عليه واختاره له ، وجمع الضميرين في قوله : { لهم } و { من أمرهم } : لأن مؤمن ومؤمنة وقعا في سياق النفي فهما يعمان كل مؤمن ومؤمنة .

قرأ الكوفيون : { أن يكون } بالتحتية ، واختار هذه القراءة أبو عبيد لأنه قد فرّق بين الفعل وفاعله المؤنث بقوله : { لهم } مع كون التأنيث غير حقيقي ، وقرأ الباقون بالفوقية لكونه مسنداً إلى الخيرة وهي مؤنثة لفظاً . والخيرة مصدر بمعنى الاختيار . وقرأ ابن السميفع { الخيرة } بسكون التحتية ، والباقون بتحريكها . ثم توعد سبحانه من لم يذعن لقضاء الله وقدره ، فقال : { وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ } في أمر من الأمور ، ومن ذلك عدم الرضا بالقضاء { فَقَدْ ضَلَّ ضلالا مُّبِيناً } أي ضلّ عن طريق الحق ضلالاً ظاهراً واضحاً لا يخفى .

/خ36