{ وَمَا كَانَ } أي ما صح وما استقام { لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } قال القرطبي : لفظ ما كان وما ينبغي ونحوهما معناها الحظر والمنع من الشيء والإخبار بأنه لا يحل شرعا أن يكون ، وقد يكون لما يمتنع عقلا كقوله : { ما كان لكم أن تنبتوا شجرها } ، ومعنى الآية : أنه لا يحل لمن يؤمن بالله – إذا قضى الله أمرا – أن يختار من أمر نفسه ما شاء ، بل يجب عليه أن يذعن للقضاء ويوقف نفسه تحت ما قضاه الله عليه ، واختاره له ، ويجعل رأيه تبعا لرأيه . وجمع الضمير في قوله لهم ومن أمرهم ؛ لأن مؤمنا وقعا في سياق النفي ، فهما يعمان كل مؤمن ومؤمنة . قرئ أن يكون بالتحتية ؛ لأنه قد فرق بين الفعل وفاعله المؤنث بقوله : لهم مع كون التأنيث غير حقيقي ، وقرئ بالفوقية لكونه مسندا إلى الخيرة وهي مؤنثة لفظا والخيرة مصدر بمعنى الاختيار ، ودل ذلك على أن الأمر للوجوب ، وقرئ بسكون التحتية وبتحريكها . ثم توعد سبحانه من لم يذعن لقضاء الله وقدره فقال : { وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ } في أمر من الأمور ومن ذلك عدم الرضاء بالقضاء { فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا } أي ضل عن طريق الحق ضلالا ظاهرا واضحا لا يخفى ، فإن كان العصيان عصيان رد وامتناع عن القبول فهو ضلال كفر ، وإن كان عصيان فعل مع قبول الأمر واعتقاد الوجوب فهو ضلال خطأ وفسق .
عن ابن عباس قال : ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق ليخطب على فتاه زيد بن حارثة فدخل على زينب بنت جحش الأسدية فخطبها . قالت : لست بناكحته
قال : بلى فانكحيه . قالت : يا رسول الله أؤامر نفسي ، فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسوله . قالت : قد رضيته لي يا رسول الله منكحا ، قال : نعم قالت : إذن لا أعصي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم قد أنحكته نفسي ) أخرجه ابن جرير وابن مردويه ، وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزينب : إني أريد أن أزوجك زيد بن حارثة فإني قد رضيته لك . قالت : يا رسول الله لكني لا أرضاه لنفسي ، أما أيم قومي ، وبنت عمتك ، فلم أكن لأفعل فنزلت هذه الآية : ( وما كان لمؤمن ) يعني : زيدا ( ولا مؤمنة ) يعني زينب ( إذا قضى الله ورسوله أمرا ) يعني النكاح في هذا الموضع ( أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ) ، يقول : ليس لهم الخيرة من أمرهم خلاف ما أمر الله به ، قالت : قد أطعتك فاصنع ما شئت ، فزوجها زيد ودخل عليها . أخرجه ابن مردويه .
وعن ابن زيد قال : نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وكانت أول امرأة هاجرت فوهبت نفسها للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فزوجها زيد بن حارثة فسخطت هي وأخوها وقالا : إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها عبده ، وكان تزوج زيد بزينب قبل الهجرة بنحو ثمان سنين ، وبعد ما طلق زيد زينب زوجه ( صلى الله عليه وسلم ) أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وكانت وهبت نفسها للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فزوجها من زيد ، وكان زوجه قبلها أم أيمن وولدت له أسامة ، وكانت ولادته بعد البعثة بثلاث سنين ، وقيل بخمس . وفي شرح المواهب أن أم أيمن ، هي بركة الحبشية بنت ثعلبة اعتقها عبد الله أبو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقيل بل اعتقها هو ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل : كانت لأمه أسلمت قديما وهاجرت الهجرتين ماتت بعده ( صلى الله عليه وسلم ) بخمسة أشهر ، وقيل بستة ، ودلت الآية على لزوم إتباع قضاء الكتاب والسنة ، وذم التقليد والرأي ، وعدم خيرة الأمر في مقابلة النص من الله ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) وإن كان السبب خاصا فان الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.