معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَن تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ فَلَا تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلۡمَيۡلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلۡمُعَلَّقَةِۚ وَإِن تُصۡلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (129)

قوله تعالى : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء } ، أي : لن تقدروا أن تسووا بين النساء في الحب ، وميل القلب .

قوله تعالى : { ولو حرصتم } على العدل . { فلا تميلوا } ، أي : إلي التي تحبونها .

قوله تعالى : { كل الميل } في القسم والنفقة ، أي : لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم .

قوله تعالى : { فتذروها كالمعلقة } ، أي فتدعو الأخرى كالمعلقة ، لا أيما ولا ذات بعل . وقال قتادة : كالمحبوسة ، وفي قراءة أبي بن كعب : كأنها مسجونة ، وروي عن أبي قلابة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه ، فيعدل ويقول : ( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) ، ورواه بعضهم عن أبي قلابة ، عن عبد الله بن يزيد ، عن عائشة رضي الله عنها متصلاً .

وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ) .

قوله تعالى : { وإن تصلحوا وتتقوا } ، والجور .

قوله تعالى : { فإن الله كان غفوراً رحيماً وإن يتفرقا } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَن تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ فَلَا تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلۡمَيۡلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلۡمُعَلَّقَةِۚ وَإِن تُصۡلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (129)

وقوله تعالى : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } أي : لن تستطيعوا أيها الناس أن تساووا بين النساء من جميع الوجوه ، فإنه وإن حصل القسْم الصوري : ليلة وليلة ، فلا بد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع ، كما قاله ابن عباس ، وعُبَيْدة السَّلْمَاني ، ومجاهد ، والحسن البصري ، والضحاك بن مزاحم .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعة ، حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا حسين الجُعَفِي ، عن زائدة ، عن عبد العزيز بن رُفَيع ، عن ابن أبي مُلَيكة قال : نزلت هذه الآية : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } في عائشة . يعني : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبها أكثر من غيرها ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، من حديث حمَّاد بن سلمة ، عن أيوب ، عن أبي قِلابة ، عن عبد الله بن يزيد ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ، ثم يقول : " اللهم هذا قَسْمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " يعني : القلب .

لفظ أبي داود ، وهذا إسناد صحيح ، لكن قال الترمذي : رواه حماد بن زيد وغير واحد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة مرسلا قال : وهذا أصح{[8452]} .

وقوله { فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ } أي : فإذا ملتم إلى واحدة منهم{[8453]} فلا تبالغوا في الميل بالكلية { فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } أي : فتبقى هذه الأخرى مُعَلَّقة .

قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، والسدي ، ومقاتل بن حيان : معناه لا ذات زوج ولا مطلقة .

وقد قال أبو داود الطيالسي : أنبأنا هَمَّام ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نَهِيك ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما ، جاء يوم القيامة وأحد شِقَّيْهِ ساقط " .

وهكذا رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، من حديث همَّام بن يحيى ، عن قتادة ، به . وقال الترمذي : إنما أسنده همَّام ، ورواه هشام الدستوائي عن قتادة - قال : " كان يقال " . ولا نعرف هذا الحديث مرفوعا إلا من حديث همَّام{[8454]} .

وقوله : { وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } أي : وإن أصلحتم في أموركم ، وقسمتم بالعدل فيما تملكون ، واتقيتم الله في جميع الأحوال ، غفر الله لكم ما كان من ميل إلى بعض النساء دون بعض .


[8452]:سنن أبي داود برقم (2134) وسنن الترمذي برقم (1140) وسنن النسائي (7/63) وسنن ابن ماجة برقم (1971).
[8453]:في ر، أ: "منهن" وهو الصحيح".
[8454]:مسند الطيالسي برقم (1597) والمسند (1/471) وسنن أبي داود برقم (2133) وسنن الترمذي برقم (1141) وسنن النسائي (7/63) وسنن ابن ماجه برقم (1969).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَن تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ فَلَا تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلۡمَيۡلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلۡمُعَلَّقَةِۚ وَإِن تُصۡلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (129)

ثم عذر الناس في شأن النساء فقال : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء } أي تمامَ العدل . وجاء ب ( لن ) للمبالغة في النفي ، لأنّ أمر النساء يغالب النفس ، لأنّ الله جعل حُسن المرأة وخُلقها مؤثّراً أشدّ التأثير ، فربّ امرأة لبيبة خفيفة الروح ، وأخرى ثقيلة حمقاء ، فتفاوتهنّ في ذلك وخلوّ بعضهنّ منه يؤثّر لا محالة تفاوتاً في محبّة الزوج بعض أزواجه ، ولو كان حريصاً على إظهار العدل بينهنّ ، فلذلك قال { ولو حرصتم } ، وأقام الله ميزان العدل بقوله : { فلا تميلوا كلّ الميل } ، أي لا يُفْرط أحدكم بإظهار الميل إلى أحداهنّ أشدّ الميل حتّى يسوء الأخرى بحيث تصير الأخرى كالمعلّقة . فظهر أنّ متعلّق { تميلوا } مقدّر بإحداهنّ ، وأنّ ضمير { تذروها } المنصوب عائد إلى غير المتعلّق المحذوف بالقرينة ، وهو إيجاز بديع .

والمعلّقة : هي المرأة التي يهجرها زوجها هجراً طويلاً ، فلا هي مطلّقة ولا هي زوجة ، وفي حديث أمّ زرع « زوجي العَشَنَّق إنْ أنطِقْ أطَلَّقْ وإن أسكُتْ أعَلَّقْ » ، وقالت ابنة الحُمَارس :

إنّ هي إلاّ حِظَةٌ أو تَطليق *** أو صلَف أو بينَ ذاك تَعْليق

قد دلّ قوله : { ولن تستطيعوا إلى قوله : فلا تميلوا كلّ الميل } على أنّ المحبّة أمر قهري ، وأنّ للتعلّق بالمرأة أسباباً توجبه قد لا تتوفّر في بعض النساء ، فلا يُكلّف الزوج بما ليس في وسعه من الحبّ والاستحسان ، ولكنّ من الحبّ حظّاً هو اختياري ، وهو أن يَرُوض الزوج نفسه على الإحسان لامرأته ، وتحمُّل ما لا يلائمه من خلقها أو أخلاقها ما استطاع ، وحسن المعاشرة لها ، حتّى يحصّل من الألف بها والحنوّ عليها اختياراً بطول التكرّر والتعوّد .

ما يقوم مقام الميل الطبيعي . فذلك من الميل إليها الموصى به في قوله : { فلا تميلوا كلّ الميل } ، أي إلى إحداهنّ أو عن إحداهنّ .