السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَن تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ فَلَا تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلۡمَيۡلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلۡمُعَلَّقَةِۚ وَإِن تُصۡلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (129)

{ ولن تستطيعوا } أي : توجدوا من أنفسكم طواعية بالغة دائمة { إن تعدلوا } أي : تسووا بين { النساء } أي : في المحبة ؛ لأنّ العدل أن لا يقع ميل البتة وهو متعذر ، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ويقول : ( هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك ) رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم { ولو حرصتم } على تحرّي ذلك وبالغتم فيه { فلا تميلوا } أي : إلى التي تحبونها { كل الميل } في القسم والنفقة فإنّ ما لا يدرك كله لا يترك كله { فتذروها } أي : تتركوا المرأة الممال عنها { كالمعلقة } أي : التي لا هي أيم ولا ذات بعل .

وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( من كان له امرأتان يميل إلى إحداهما جاء يوم القيامة وإحدى شقيه مائل ) رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم .

وروي أنّ عمر رضي الله تعالى عنه بعث إلى أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم بمال فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها : إلى كل أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم بعث عمر مثل هذا قالوا : لا بعث إلى القرشيات بمثل هذا وإلى غيرهنّ بغيره فقالت : ارفع رأسك فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعدل بيننا في القسمة بماله ونفسه فرجع الرسول فأخبره فأتم لهنّ جميعاً ، وكان لمعاذ رضي الله تعالى عنه امرأتان فإذا كان عند إحداهما لم يتوضأ في بيت الأخرى فماتتا في الطاعون فدفنهما في قبر واحد { وإن تصلحوا } أي : ما كنتم تفسدون من أمورهنّ { وتتقوا } فيما يستقبل { فإنّ الله كان غفوراً } أي : لما في قلوبكم من الميل { رحيماً } بكم في ذلك وغيره فإنه أرحم الراحمين .