تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَن تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ فَلَا تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلۡمَيۡلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلۡمُعَلَّقَةِۚ وَإِن تُصۡلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (129)

الآية 129

وقوله تعالى : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم } عن ابن عباس رضي الله عنه في قوه تعالى : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء } في إيفاء الحق أن يستوي في قلوبهم الحب { ولو حرصتم } على العدل لا تقدرون عليه في ذلك{ فلا تميلوا كل الميل } إلى التي تحب في النفقة والقسم ، فتأتي الشابة التي تعجبك ، وتدع الأخرى بغير قسم ولا نفقة .

روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول : ( الله أما قلبي فلا أملك ، ولكن أرجو أن أعدل في ما سوى ذلك ) . والعدل ههنا التسوية ، ألا ترى أنه قال في آية أخرى : { وهم بربهم يعدلون } ( الأنعام : 150 ) ليس هو ضد الجور ، ولكن( هو ){[6630]} التسوية : يسوون بين الأصنام في العبادة . وعن أبي عبيدة ( أنه ){[6631]} قال : ( { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم } في الحب ) . وروي عن أبي قلابة رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يعدل بين نسائه في القسمة ، ويقول : " اللهم إن هذه قسمتي في ما أملك ، فلا تؤاخذني في ما تملك أنت ، ولا أملك " )( أبو داوود 2134 )

وأصل ذلك أن في كل ما كان المرء مدفوعا مضطرا فإنه غير مكلف في ذلك ، ( وفي كل ما كان باختيار منه وإيثار غير مدفوع إليه {[6632]} فإنه مكلف في ذلك ) {[6633]} . والحب مما يدفع المرء( إليه ، ويضطره ، ولا ) {[6634]} صنع لا فيه ، لم يكلف التسوية في ما يكون ( المرء مدفوعا إليه ){[6635]} مضطرا لأنه لا يملك التسوية .

وعلى هذا يخرج قولنا : إن الكافر مكلف بالإيمان في حال الكفر لشغله به واختياره فعل الكفر ليس كالمضطر ، وقد ذكرنا في ما تقدم أن الاستطاعة تكون على ضربين : استطاعة أحوال وأسباب واستطاعة أفعال . والاستطاعة التي هي استطاعة الأحوال والأسباب من نحو الصحة والسلامة وغيرهما تجوز قبل ومع وبعد . أما استطاعة الأفعال {[6636]} فإنها لا تكون إلا مع الفعل ، وبالله التوفيق .

وقوله تعالى : { فلا تميلوا كل الميل } في النفقة والقسمة ؛ معناه : لا يحملنكم شدة الحب والميل بالقلب أن تتركوا الألفاظ عليها وإيفاء الحق ؛ أعني حق القسم . وقوله تعالى : { فتذروها كالمعلقة } ليست بأيم ولا ذات بعل ؛ ليست بأيم تتكلف مؤنتها كما تتألف الأيم ، ولا ذات بعل يتحمل( بعلها ما عليه ){[6637]} . وفي حرف أبي كعب : فتذروها كالمسجونة ، وهو ما ذكرنا ، لا ينفض هو عنها ، ولا يطلقها لتتزوج زوجا آخر ، فهي كالمسجونة .

وقوله تعالى : { وإن تصلحوا وتتقوا } هو ما ذكرنا في قوله عز وجل : { وإن تحسنوا وتتقوا } ( النساء : 128 ) .

وقوله تعالى : { فإن الله كان غفورا رحيما } هذا ينقض قول من يقول : إنه لم يكن رحيما ثم صار رحيما لأنه أخبر أنه كان رحيما ، وهو يقول : صار رحيما وبالله العصمة .

ثم المسألة بأن المرأة إذا جعلت أيامها لضربتها كان لها أن ترجع ، وتفسخ ذلك لأنها جعلت لها ما لم يجب بعد( ما لم ){[6638]} يلزم ، فكانت{[6639]} كمن أبرأ آخر عن حق لم يجب بعد ، فإن إبراءة باطل ؛ له أن يعود إليه ، فيأخذه به إذا وجب . فعلى ذلك هذا ، والله أعلم .


[6630]:ساقطة من الأصل وم.
[6631]:ساقطة من الأصل وم
[6632]:في م: عليه.
[6633]:من م، ساقطة من الأصل.
[6634]:في الأصل: وفيه ويضطر، في م: فيه يضطر ولا.
[6635]:في الأصل وم: مدفوعا فيه.
[6636]:في الأصل وم: أحوال.
[6637]:في الأصل وم: البعل.
[6638]:ساقطة من الأصل وم.
[6639]:في الأصل وم: فكان.